دروس اللغة الانجليزية للسنة الاولى ماستر جميع التخصصات : قانون اعمال، قانون جنائي، دولة و مؤسسات، قانون اسرة
محتوى المادة
أولا: مفهوم البحث والتحري عن الجريمة
1 تعريف البحث والتحري -
2 شروط البحث والتحري -
3 أهمية - البحث والتحري
ثانيا:الجهات القضائية المختصة بالتحري والبحث
-1 اختصاص الضبطية القضائية
-2 دور وكيل الجمهورية في عملية جمع الاستدلالات.
ثالثا: إجراءات التحري والبحث المستحدثة
-1 اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور
-2 التسرب
-3 المراقبة
رابعا: مدى تعارض هذه الإجراءات مع قرينة البراءة
المبحث الأول / مدخل إلي الإثبات الجزائي و تناولها فيه المقصود بالإثبات في المواد الجزائية وأهمية الإثباتالجزائي ثم الفرق بين الإثبات الجزائي و الإثباتالمدني ، و تطرقنا أيضا ألي الجهة التي تقوم بجمع الدليل .
المبحث الثاني / النظم الإجرائية المختلفة و موقف المشرع الجزائري .و فيه تناول النظام الإجرائي الإتهامي مبرزين مزاياه و عيوبه ثم النظام التنقيبي و النظام المختلط و أخيرا موقف المشرع الجزائري من هذه النظم وأي نظام أخذ به
المبحث الثالث / القواعد العامة في الإثبات الجزائي من حيث الوقوف علي المبادئ التي تحكم عملية الإثبات الجزائي و هي قاعدة حريةالإثبات و كيفية تطبيقها و مضمونها و الاستثناءات الواردة عليها ثم قاعدة الشك يفسر لمصلحة المتهم ، و تطرقنا إلي قاعدة الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي و مبرراتها كما شملت الدراسة في هذا المحور يقينية الدليل و مشروعية الدليل الجزائي و الجزاء الذي يترتب علي مخالفته .
المبحثالرابع / عبء الإثبات في المواد الجزائية و فيه حددنا علي من يقع عبء الإثبات و ما هي الاستثناءات الواردة عليه وهيإثبات الدفوع التي يتمسك بها المتهم ووسائل الدفاع ألتيألزمه القانون بإثبات توافرها .
المحاضــــــــــــــــــــــرة الخامسة:
3- عارض الإكراه وحالة الضرورة:
هذاالعارض نصت عليه المادة 48 ق.ع.ج.بقولها: "لا عقوبة على من إضطرته إلى إرتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها " ، و يلاحظ على نص هذه المادة أن المشرع الجزائري لم يحدد تحديدا حصريا الظروف و الحالات التي تدخل في نطاق القوة التي لا يمكن للفرد أن يدفعها ، فيترتب عن ارتكابه للجريمة إنتفاء مسؤوليته الجزائية مهما كان وصفها الجنائي ، ويعتبر هذا العارض من المسائل الموضوعية التي تخضع للسلطة التقديرية للقاضي الجزائي.
أ- حالات تطبيقات المادة 48 ق.ع.
حينما يتكلم الفقه الجنائي عن عارض القوة التي لا قبل للشخص بدفعها وردها، يذهب إلى محاولة توسيع نطاق هذه القوة لفائدة الشخص الجاني ، لتشمل حالة القوة القاهرة و الحادث الفجائي و حالة الضرورة، كظروف يمكن الإستناد عليها و اعتبارها أساسا للدفع بتطبيق المادة 48 ق.ع.ج.،ومن ثم إعفاء الجاني من المسؤوليته الجزائية، أما القضاء الجزائي في تطبيقه لنظرية القوة القاهرة فقد أخذ بمسألة الإكراه المادي و الإكراه المعنوي كأساس لتقدير طبيعة هذه القوة التي يتعرض لها الشخص مرتكب الجريمة ، دون قدرته على دفعها.
- الإكراه المادي :
هو قوة مادية تشل إرادة الإنسان بصفة عارضة قد تكون مؤقتة فتؤدي إلى فقدانه السيطرة على أعضاء جسمه و عدم التحكم في إرادته، مما قد تدفعه لإرتكاب جريمة ما ، وقد يكون مصدر هذا الإكراه خارجيا وقد يكون داخليا مرتبطا بشخص الجاني.
*- الإكراه المادي ذو المصدر الخارجي:
هذا المصدر يفرض على الشخص فرضا و يكون أمرا محتوما لا خيار له فيه ، فلا يستطيع أن يتفاداه حتى لا تقع الجريمة و يكون مصدره راجعا إلى العامل الإنساني أو للعامل الحيواني أو عامل الطبيعة.
فالعامل الإنساني هو الذي يمثل الصورة الحقيقة للإكراه المادي أما العاملين الآخرين فقد أطلق عليهما الفقه الجنائي تسمية القوة الغالبة.
- و الإكراه الخارجي قد يؤدي إلى إعدام إرادة الشخص فتصدر عنه حركة عضوية لا إرادية ،أو يتخذ موقفا سلبيا لا إراديا ، كأن يقوم علي بإكراه أحمد على إطلاق الرصاص ضد أسامة فيصيبه فهذه الحركة العضوية التي تمثل السلوك الإجرامي جاءت دون إرادة أحمد ، مما يعفيه من المسؤولية الجزائية التي تقتضي حرية الإختيار في إرتكاب الفعل .
- أما في حالة الإكراه المادي الذي يتخذ بشأنه الشخص موقفا سلبيا دون إرادته، فيتمثل في صورة الشاهد الواجب مثوله أمام المحكمة الجزائية و لكن بسبب حجزه من قبل شخص ما لم يتمكن من الحضور والإدلاء بشهادته، ففي هذه الحالة تنتفي مسؤوليته الجزائية ولا يعاقب على جريمة عدم الإدلاء بالشهادة.
- وقد يكون الإكراه الخارجي بسبب ما يسمى بالقوة الغالبة حينما يكون مصدره الطبيعة كالفياضانات و العواصف و الزلازل التي قد تدفع الإنسان دون إرادته إلى إرتكاب جريمة ما، ومثالها : الشخص الذي يقود دراجة نارية فتدفعه عاصفة هوجاء بقوة كبيرة نحو شخص فيصيبه بجروح قد تكون خطيرة ، ففي هذه الحالة نجد أن أساس المسؤولية الجزائية الذي الذي يقوم على عنصر الإرادة و الإختيار منعدما، مما يؤدي إلى إنتفائها ،
- و قد يكون مصدرالإكراه حيواني ومثاله : الشخص الهارب من كلاب مشردة و يضطر لتسلق جدار مسكن شخص آخر، فإن مسؤوليته الجزائية تنتفي في هذه الحالة و لا يعاقب على جريمة إنتهاك حرمة مسكن بسبب ارتكابه لهذه الواقعة دون إرادته.
*- الإكراه المادي ذو المصدر الداخلي:
قد يكون مصدر الإكراه عاملا داخليا مرتبط بالحالة الصحية للشخص مرتكب الجريمة ،كالشلل العضوي المفاجئ أوفقدان البصر أثناء قيادة السيارة الذي يؤدي الى ارتكاب فعل مجرم كدهس شخص يعبرالطريق، أو سقوط من أصابه شلل مفاجئ على طفل صغير مما تسبب في وفاته ، ففي هذه الحالات يعفى الشخص من المسؤولية الجزائية بإعتبار أنه أرتكب الفعل دون إرادته، و دون قدرته على تجنب ذلك.
ولكن يشترط في مثل هذه الحالات أن لا يكون الشخص عالما بمرضه أومدركا للمخاطر التي قد يتسبب فيها للغير ، ورغم الإعفاء من المسؤولية الجزائية التي يستفيد منها إلا أن مسؤوليته المدنية تبقى قائمة.
ب - شروط الإكراه المادي :
حتى تتحقق صحة هذا الدفع لإعفاء الشخص من المسؤولية الجزائية وفقا لنص المادة 48 ق.ع.ج. يقتضي أن يكون الإكراه المادي مستوفيا لشروطه القانونية.
الشرط الأول عدم إمكانية توقع هذا الإكراه:
الإكراه المادي الذي يكون مصدره داخليا تتجلى صورته بوضوح في حالة ذاك الشخص الذي لا يعلم بأنه مريض بالصرع أو ضعف البصر أو تنتابه نوبات غيبوبة مفاجئة، ولا يتوقع تعرضه لذلك في أي وقت من الأوقات وارتكب فعلا جرميا بسبب ذلك فإنه يعفى من المسؤولية الجزائية دون المسؤولية المدنية التي تظل قائمة في حقه ، أما إذا ثبت للقاضي عكس ذلك أي أن هذا الشخص كان يتوقع حدوث الضرر الجرمي بسبب مرضه فإنه لا يعفيه من المسؤولية الجزائية .
الشرط الثاني /إستحالة دفع هذا الإكراه
فيقتضي على الإنسان أن يسعى إلى مقاومة هذا الإكراه وخاصة عندما يكون مصدره إنساني، فيدافع عن نفسه بهدف رده وعدم الوقوع تحت سلطة المكره، فإذا كان الشخص راضيا متقبلا لهذا الوضع فتشكلت عنده إرادة القيام بالفعل كما أرادها المكره وصدرت عنه حركة عضوية لإرتكاب الفعل تسهل ذلك الضغط الصادر من المكره ، فعندئذ قد تتوفر أوصاف الفاعل الأصلي و تقوم المسؤولية الجزائية ولا يعفى منها .
المحاضـــــــــــــــــــــرة السادســــــــــــة:
4- الإكراه المعنوي وحالة الضرورة:
يلاحظ أن الشخص عندما يرتكب الفعل التجريمي بدافع الضرورة يكون لأجل تفادي خطر أعظم قد يلحقه هو شخصيا أو حتى الغير ، فهو يختار في الأصل بين وضعيتين كلاهما مر بخلاف حالة الإكراه المعنوي فإن سبب إرتكاب الجريمة يرتبط بذلك الضغط النفسي الذي يتعرض له الجاني من قبل الغير ، فيسلبه جزءا من إرادته و حرية إختياره و يجبره على إرتكاب الفعل .
وتكون حالة الضرورة التي يضطر بموجبها الإنسان لإرتكاب الفعل التجريمي من حيث المصدر في غالب الأحيان إلى الظروف الطبيعية بخلاف الإكراه المعنوي الذي يكون مصدره الإنسان فقط ، كما أن الشخص المكره يقوم بالسلوك الإجرامي المأمور به لأجل تفادي الخطر الذي يهدده.
اما في حالة الضرورة الحالة فإن هذا السلوك يقوم به الشخص حسب تصوره ووفقا للظروف المحيطة به ليتمكن من إيجاد وسيلة يتجنب بها الخطر المحدق به، و يشتركا كلاهما من حيث التأثير على إرادة الفاعل و حرية إختياره ، فهذا الأخير حتى يتجنب الخطر المحدق به يضطر لإرتكاب الجريمة، و عليه قال فقهاء القانون أن الذي يكون في حالة ضرورة يكون مكرها على إرتكاب الفعل لأجل الخلاص من الخطر الذي يهدده.
أ-الإكراه المعنوي: يكون مصدره قوة إنسانية تؤثر على نفسية الشخص و تضغط على إرادته فتحمله على إرتكاب الجريمة بسبب الخوف، و مثال ذلك الشخص الذي يتم تهديده بقتل أحد أطفاله إذا لم يقم بإختلاس أموال المؤسسة التي يعمل بها ، فهل يتم إعفاؤه من المسؤولية الجزائية؟
وفقا لنص المادة 48 ق.ع .ج.نقول أن هذه المسالة تبقى من المسائل الموضوعية التي تخضع للسلطة التقديرية للقاضي الجزائي ، الذي يجب عليه تسبيب حكمه تسبيبا كافيا ووافيا سواء تعلق الأمر بالإدانة او البراءة (الإعفاء من المسؤولية الجزائية )، و يجب الإشارة إلى ان الإكراه المعنوي لا يعدم إرادة الشخص كليا بل تبقى قائمة ، وقدرته على الإدراك متوفرة و تنقص لديه حرية الإختيارفقط .
ب- حالة الضرورة:
هي حالة أو ظرف يعيشه الشخص فيجد نفسه أو حتى غيره مهددا بخطر جسيما يوشك أن يقع و لا يمكنه تفاديه، إلا بإرتكاب جريمة و ما يسميها الفقه الجنائي بجريمة الضرورة، وقد يكون مصدرها الإنسان أو الطبيعة ، فحينما يقوم سائق السيارة بمناورة تؤدي إلى إصطدامه بحائط مسكن مجاور تجنبا من أن يدهس شخصا يسير بالطريق ، أو حينما يقوم الطبيب الجراح بعملية جراحية دون إذن المريض لضرورة حالة توشك أن تعرضه لخطر الموت ،او حالة ضرورة إجهاض المراة حينما تكون في حالة الخطر إذا لم تقم بذلك ، فالأصل في هذه الوقائع أنها تشكل جرائما بمفهوم نص قانون العقوبات ، فإذا ما إقترنت بحالة الضرورة فهل تؤدي إلى إعفاء الشخص من المسؤولية الجزائية أم لا؟
لقد أخذ المشرع الفرنسي حالة الضرورة كسبب لإنتفاء المسؤولية الجزائية بموجب المادة 122 ف 7 ق.ع. فرنسي ، بخلاف المشرع الجزائري الذي لم يأخذ بحالة الضرورة لا كسبب من أسباب الإباحة ولا كعارض من عوارض المسؤولية، بإستثناء ما نصت عليه المادة 308 ق.ع. التي أباحت عملية إجهاض الحامل حينما تكون ضرورية لإنقاذ حياة الأم.
ج- حالة الضرورة و الدفاع الشرعي:
الدفاع الشرعي: يعد في التشريع الجزائري سببا من أسباب الإباحة بخلاف حالة الضرورة التي تعتبر في تشريعات اخرى مانعا من موانع المسؤولية الجزائية ، وفي في الجزائرتعتبر كذلك في حالة حس الإجهاض حسب نص المادة 308 ق.ع،
كما أن حالة الضرورة تقتضي دفع خطر جسيم محدق بالشخص، بخلاف حالة الدفاع الشرعي التي تقتضي وجود خطر محدق حتى و إن لم يكن جسيما،
و الإنسان الذي يرتكب جرما في حالة الدفاع الشرعي يكون في الأصل ضحية إنسان معتدي بخلاف حالة الضرورة التي قد تقع ضد شخص بريء، لم يقم بأي إعتداء و إنما أوجدته الظروف في مكان إرتكاب الجريمة .
كما أن الدفاع الشرعي وفقا لنص المادة 37 و 40 ق.ع. يعدم الصفة التجريمية عن الفعل المرتكب ولا يجوز حينئذن المطالبة بالتعويض عن طريق الدعوى المدنية ، بخلاف حالة الضرورة التي تعتبر في ظل تشريعات أخرى مانع من موانع المسؤولية ، بموجبها لا يعاقب الشخص و لكنه قد يطالب بالتعويض المدني لفائدة الضحية.
المحاضرة السابعــــــــــــــــــة:
أولا/شروط فعل الضرورة:
حتى يتسنى الدفع بحالة الضرورة من قبل الشخص الذي إرتكب الفعل التجريمي، فإن لهذا الأخير شروطا يجب توافرها، أولا في طبيعة الخطر المحدق بالإنسان ، و ثانيها بطبيعة الفعل الصادر عن هذا الإنسان،و كما قلنا أن فعل الضرورة هو ذلك الفعل الذي يرتكبه الشخص لدفع خطرحال و جسيم يهدده شخصيا أويهدد غيره و يشترط في هذا الفعل أن يكون :
أ- لازما:
بمعنى أن يكون الفعل المرتكب من قبل الشخص المضطر لا مفر منه، لتفادي الخطر المحدق به أو بالغير و توافرت فيه الشروط المذكورة أعلاه ، و يكون هو الوسيلة الوحيدة لدفع هذا الخطر ، فإذا ثبت للقاضي الجزائي أن الشخص المضطر كانت له بدائل أخرى لتفادي الخطر، كالفرار أو الإستغاثة و طلب المساعدة من الغير، أو حتى التريث في رد الفعل، فإنه لا يعفيه من المسؤولية الجزائية،بل قد يشدد في العقوبة خاصة إذا كان الضرر المترتب عن الجريمة المرتكبة جسيما ،وأكبر من الضرر الذي قد يترتب عن تحقق الخطر ، وتبقى هذه المسألة من المسائل النسبية و الموضوعية التي يقدرها القاضي وفقا لمعيار ما قد يقوم به الرجل العادي في مثل هذه الظروف.
ب- أن يكون هذا الفعل متناسبا مع طبيعة الخطر المحدق الذي يهدد الشخص أو غيره:
فإذا كان بإستطاعة الشخص المضطر أن يرد الخطر المحدق به بردة فعل أقل خطورة منه، و أقل جسامة من حيث الضرر و بالقدر الكافي لدفعه ، فإنه لا يكون محلا للمسائلة الجزائية إلا عن ذلك التجاوز في رد فعله، و تقدير هذه المسألة تعود للسلطة التقديرية لقاضي الحكم مستندا في ذلك إلى معيار الشخص العادي الذي يعايش ذات الظروف التي عايشها الشخص المضطر.
ثانيا/شروط الخطر :
1- ان يكون الخطر يهدد النفس.
2- ان يكون الخطر جسيما.
3- أن يكون الخطر حال.
4- أن لا يكون للشخص يدا فيه.
ثالثا/شروط حالة الضرورة:
1- يجب أن يكون هناك خطر يهدد النفس:
وذلك هو محل حالة الضرورة ، ويقصد بالنفس هو الشخص في ذاته كما هو الحال في حالة الدفاع الشرعي ، وتشمل السلامة الجسدية و العرض و الشرف و الحرية ، كما يشمل هذاالخطر مرتكب الفعل شخصيا أو الغيرحتى ولو لم تكن له أية علاقة به.
2- يجب أن يكون الخطر جسيما:
بإعتبار أن جريمة الضرورة كما أقرها الفقه الجنائي فهي تقع في الأصل على شخص برىء، بمعنى أن ضحيتها يكون شخصا لم يقترف أي ذنب يقتضي أن يكون محل إعتداء ، وعلى ذلك إشترط المشرع في الخطر المحدق بالإنسان أو غيره أن يكون جسيما و ذا ضرر كبير ، فإذا كان خلاف ذلك فإن شرط الخطر المحدق ينعدم و لا يمكن الدفع به أمام القضاء، ومثال ذلك أن يصدم سائق السيارة شخصا عابرا للطريق بدعوى تفادي قطة أو حجرا كان في الطريق ، فطبيعة الخطر بمقابل الجرم المرتكب يفتقد لعنصر الجسامة التي تقتضيها الضرورة الحال لأجل تفاديها.
3- أن يكون الخطر حال :
بمعنى أن الخطر الذي تقتضيه حالة الضرورة يكون خطرا وسيك الوقوع أي بعنى أنه سيقع فعلا إذا لم يبادر الشخص إلى تجنبه و تفاديه ، فإذا كان لهذا الأخير مدة زمنية يمكنه من خلالها التخلص من هذا الخطر دون الإضطرار لإرتكاب الجريمة ، فإنه حين إذن تنعدم حالة الضرورة كسبب لإنتفاء المسؤولية الجزائية و مثال ذلك : ذاك السائق الذي تفصله عن الحاجز الموضوع في الطريق مسافة 100 م و كان بمقدوره تخفيض السرعة ثم الإنحراف نحو اليمين أو اليسار ، و لكنه فجأة إنحرف نحو إتجاه معين فدهس شخص آخر ففي هذه الحالة لا يمكن له أن يدفع بأن الخطر كان حالا بإعتبار المسافة الفاصلة بينهما.
د- يجب أن يكون الخطر لا يد للمضطر فيه :
يفترض أن يكون الشخص قد تفاجأ بوجود هذا الخطر، ولم يكن له الوقت الكافي للتفكير في كيفية تفاديه فإرتكب الفعل المجرم ، أما إذا كان هذا الشخص يتوقع وجود خطر يهدده فإنه لا يمكن له الدفع بحالة الضرورة ،ومثال ذلك: السائق الذي يقود سيارته في منعرجات خطيرة و بسرعة كبيرة، فإذا به تعترضه شاحنة فيحاول تجنبها مما يتسبب في دهس شخصا آخر ، ففي هذه الحالة يكون مصدر الخطرهو السائق نفسه بإعتباره كان يتوقع ذلك مما لا يعفيه من المسؤولية الجزائية.
المحاضرة الثالثة:
المحورالثاني/ عوارض المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي:
هناك موانع أو عوارض تِؤدي إلى إنعدام الأهلية الجزائية تماما ،ويعتبر صاحبها شخصا غيرمميز كما هو الحال بالنسبة لعارض الجنون وعارض صغرالسن كالطفل الذي لم يكتمل السن العاشرة-10-وهناك موانع للمسؤولية تتعلق بإنعدام حرية الإختيار كما هو الحال بالنسبة لعارض الإكراه وحالة الضرورة.
أولا/ مفهوم عوارض المسؤولية الجزائية:
1- تعريف عوارض المسؤولية الجزائية:
هي تلك الأسباب التي تؤدي إلى فقدان الشخص لقدرته على الإدراك والتمييزأو الإختيار فيصبح غير مسؤول عن أفعاله مما يترتب عنه إعفائه من العقوبة .وترتبط بالفاعل دون الفعل .أي بمعنى أنها أسباب شخصية بحتة تنصب على إرادة الجاني ويعفى من العقوبة من توافرت فيه من مرتكبي الجريمة ،وقد حددها المشرع الجزائري على سبيل الحصر لا المثال.
2- الفرق بين أسباب الإباحة وعوارض المسؤولية :
لقد نص المشرع الجزائري على تلك الأسباب و سماها بالأفعال المبررة بموجب نص المادة 39-40 ق.ع. وحددها في حالة الامر والإذن الذي يستند للقانون و الضرورة الحالة للدفاع المشروع العادية و الممتازة وبدأها بان" لا جريمة " بخلاف عوارض المسؤولية التي بدأها بأن " لا عقوبة" فما الفرق بينهما:
أ- نجد أن الأسباب المبررة من حيث تعريفها هي ظروف نص عليها القانون تنصب على الفعل
التجريمي بذاته فتؤدي إلى إخراجه من نطاق التجريم إلى نطاق الإباحة، لوجود سبب من أسباب الإباحة يجعله كذلك، بخلاف عوارض المسؤولية الجزائية التي تعرف بأنها مجموعة من العوارض التي ترتبط بشخص الجاني دون سواه فتؤدي إلى إعدام إرادته و حقه في الإختيار، مما يؤدي إلى إنتفاء مسؤوليته الجزائية عن هذا الفعل.
ب- نجد أن الخصائص التي تتميز بها أسباب الإباحة تعتبر ظروفا موضوعية تتصل بالفعل المرتكب فتعطل النص التجريمي و العقوبة المقررة له ، مما يؤدي إلى إستفادة كل شخص ساهم في إرتكاب الفعل إذا كان السبب مطلقا كما هو الحال بالنسبة للدفاع الشرعي أما إذا كان السبب نسبيا فلا يستفيد منه إلا الشخص الذي توافرفيه ، بخلاف عوارض المسؤولية فهي ذات طابع شخصي يستفيد منها الشخص الذي توافرت فيه دون سواه ،فقد يعفى الفاعل الأصلي من العقوبة لوحده لوجود عارض لديه و يعاقب بقية المتهمين المساهمين في الجريمة.
ج- أن أسباب الإباحة تؤدي إلى إعدام الصفة التجريمية و بذلك تفقد الفعل صفة الفعل الضار، مما يترتب عنه انعدام المسؤولية المدنية، بخلاف موانع المسؤولية الجزائية فإنه رغم إنتفائها تبقى المسؤولية المدنية قائمة.
د- كما أن اسباب الإباحة لا يمكن أن يتخذ بشأنها تدابير الأمن لعدم توافر الخطورة الإجرامية من جهة و لعدم إعتبار الفعل جريمة من جهة أخرى، و هذا ما يتعارض مع مبدأ الخطورة الإجرامية ، أما في عوارض المسؤولية الجزائية فنطاق تدابير الأمن يكون واسعا لوجود جريمة مرتكبة يقرها القانون.
ثانيا/عوارض المسؤولية المتعلقة بالأهلية القانونية
1- الجنون:
قد يتساءل الطالب القانوني عن ماهية هذا المانع الذي قد يؤدي إلى إعفاء صاحبه من المتابعة الجزائية لإصابته بمرض عقلي يعدم قدرته في التمييز و الإدراك و حرية الإختيار فما هو الجنون ؟
أ- تعريف الجنون : هو إضطراب نفسي يصيب القوى العقلية للشخص فيؤدي إلى الإضرار بقدراته الذهنية و فقدان الإدراك و حرية الإختيار ، فلا يتحكم الشخص حينئذ في تصرفاته و أفعاله و لا يمكنه تقدير عواقبها.
أما طبيا فيعرف أنه إنحطاط تدريجي و بات في الملكات العقلية التي يترتب عنها عدم قدرة الشخص على الموازنة و التوفيق بين أفكاره و أفعاله، و يعود سببه إلى إصابة الشخص عادة بشلل دماغي أو الشيخوخة أو إضطرابات نفسية ناتجة عن ضغوط إجتماعية ، ويقتضي الإشارة هنا إلى حالة أخرى ترتبط بالجنون تسمى في الفقه القانوني العته أو الشخص المعتوه و هي في الأصل عاهة عقلية تصيب عقل الإنسان فتجعله غير طبيعي و ضعيف من حيث التمييز و غير قادر على الإدراك و حرية الإختيار سببه من الناحية الفقهية توقف المخ عن النمو الطبيعي في مرحلة النمو ، ويختلف العته عن الجنون بالنسبة للمسؤولية الجزائية في درجة التأثير على الإدراك و حرية الإختيار ، فإذا فقد الإنسان الإدراك تماما يكون مجنونا و إذا فقد ذلك نسبيا يكون معتوها ، فالعته لا يؤدي إلى إعدام الإدراك و حرية الإختيار لكنه ينقص من قوتها ، و الجنون الذي يقتضيه القانون وفقا للنص الوارد أعلاه يجب أن تتوافر فيه الشروط التالية :
- وجوبية إصابة الشخص بإختلال عقلي يؤدي إلى فقدانه لعنصر الإدراك و حرية الإختيار ، بمعنى أن الشخص الجاني يكون في غير وعيه و دون إرادة مميزة مما يؤدي إلى إمتناع المسؤولية الجزائية ، فهذه الحالة تعني فقدانها كليا ، فإذا كان الأمر عكس ذلك كالسفيه و المعتوه فإنه لا يؤثر على المسؤولية الجزائية للجاني.
- وجوب معاصرة حالة الجنون لوقت إرتكاب الجريمة ،حيث أن صراحة النص أعلاه إقتضت هذا الشرط ودون ذلك لا يعتد به، ويعتبر من الناحية الإجرائية الجنون من المسائل الموضوعية الخاضعة للسلطة التقديرية للقاضي ،
ب - أنواع الجنون:
- جنون الشيخوخة : هو مرض يصيب بعض الأشخاص في سن الشيخوخة، نتيجة تصلب الشرايين وضعف خلايا المخ ، فيكون هذا الشخص غير مهتم بمحيطه و في حالة شرود ذهني تام ،فلا يعي ما يدور حوله.ويفقد القدرة على إدراك طبيعة أفعاله والتمييز بين خيرها وشرها.
- الإنفصام النفسي والعقلي : يعتبر من الأمراض العقلية التي تصيب الشخص، فيصبح يعاني من فكرة الشعور بالإضطهاد و عدم الموازنة في أفكاره ، ويصاب بوسواس وأوهام سماع الأصوات و رؤية أشخاص غرباء دون أن يكون لهم و اقع فعلي، فيترتب عنه ضغط نفسي كبير و أوهام كثيرة مما يجعله غير مسيطر على أفكاره و أفعاله.
-الصرع:هي نوبات مرضية يفقد من خلالها الشخص وعيه وذاكرته ولا يمكنه ان يسيطر على حركات أعضائه ، وقد يكون الصرع دون حركات تشنجية أي انه يقتصر على النشاط الذهني فيفقد الشخص القدرة على الإتصال بمحيطه مما يدفعه أحيانا إلى إرتكاب الجريمة دون أي وعي أو شعور .
1-2/ آثار الجنون وقت إرتكاب الجريمة و بعدها:
أ-أثار الجنون المتزامن مع وقت إرتكاب الجريمة:
وفقا لنص المادة 47 ق.ع.ج. فإنه إذا عاصر الجنون وقت إرتكاب الجريمة، يكون مانعا لقيام المسؤولية الجزائية التي تنتفي بذلك، فإذا كان الملف الجزائي على مستوى قاضي التحقيق فلهذا الاخير سلطة التصرف فيه بعد التأكد من عدم سلامة الشخص عقليا و يستأنس بذلك بخبرة طبية صادرة عن طبيب مختص في الأمراض العقلية محلف ومعتمد لدى المحاكم ، فيصدر أمرا بألا وجه للمتابعة و تصديا لخطورته الإجرامية يجب على قاضي التحقيق أن يأمر بإتخاذ تدابير أمن وفقا لنص المادة 21 ق.ع.ج المعدل والمتمم ، ويتم إيداع الجاني في مؤسسة إستشفائية .
إن القاضي الجزائي إذا تأكد من توافر الشروط يصدر أمرا أو حكما أو قرارا بعدم قيام المسؤولية الجزائية، وعليه ان يسبب ذلك تسبيبا كافيا يوضح من خلاله طبيعة العارض (الجنون) و كيف تم إثبات معاصرته لوقت إرتكاب الجريمة، دون ذلك سيكون الحكم معابا أو عرضة للإلغاء أو النقض ، وتجدر الإشارة أن الأمر أو الحكم أو القرار الذي يعفي الشخص من المسؤولية الجزائية بسبب هذا العارض يرتب من باب الوجوب على من أصدر هذا الأمر أو الحكم أو القرار أن يحيل المتهم لتطبيقات المادة 21 ق.ع. معدل ، إذا كان في حالة الجنون.
ب- الجنون اللاحق على إرتكاب الجريمة : هل له تأثير على المسؤولية الجزائية أم لا؟
إن المشرع الجزائري قد أقر بحالة الجنون المعاصر لوقت إرتكاب الجريمة كعارض للمسؤولية الجزائية الذي يترتب عنه الإنتفاء أو البراءة إلا أنه أحاط الشخص بحماية قانونية أثناء سير الدعوى العمومية إذا لم يتوفر هذا الشرط (المعاصر)، فإذا إعترى الجاني عارض الجنون في مرحلة التحقيق وثبت ذلك لدى قاضي التحقيق من خلال الخبرة الطبية التي يأمر بها، فحين إذن يصدرأمرمسببا بوقف إجراءات المتابعة الجزائية لوجود هذا العارض، و يلجأ إلى تطبيقات المادة 21 ق.ع. المعدل و المتمم ،بوضع الجاني في مؤسسة إستشفائية مختصة في الأمراض العقلية لحين شفائه ، فإذا شفي يرفع عنه هذا التدبيرالأمني و تستأنف إجراءات المتابعة الجزائية من قبل قاضي التحقيق ، من سماع الشهود و الضحايا في إطار هذا الملف الجزائي .
وترجع العلة في وقف إجراءات المتابعة ضد الجاني لوجود هذا العارض ، في الحفاظ على حق الشخص في الدفاع عن نفسه و تقديم مبررات و دوافع قيامه بهذا الفعل المجرم ، إذ لا يمكنه ذلك إذا كان فاقدا لقدراته العقلية أما إذا إعتراه هذا العارض أمام قاضي الحكم بعد إحالة الملف الجزائي من قبل قاضي التحقيق أو من السيد وكيل الجمهورية ، فإن قاضي الحكم إذا إتضح له صحة هذا الدفع يامر بوقف إجراءات المحاكمة و إرجاء الفصل فيها بموجب حكم قضائي مسبب مع إحالة المتهم لتطبيقات المادة 21 ق.ع. معدل و متمم ، إلى حين شفائه فإذا شفي المتهم أعادت النيابة العامة السير في الدعوى ، و يحاكم حينئذ محاكمة عادلة ويصدر بشانه حكم بالإدانة أو البراءة ، وتجدر الإشارة هنا أن الفترة التي قضاها المتهم بالمؤسسة الإستشفائية بموجب أمر قاضي التحقيق او قاضي الحكم تحتسب ضمن العقوبة المحكوم بها في حالة الإدانة ،كما أن إجراءات التقاضي تتوقف من تاريخ صدور الحكم بالإيداع أو الحكم به وتبدأ سريانها من تاريخ رفع التدبير المأمور به أو المحكوم به ، و إذا إعترى الشخص عارض الجنون أثناء تنفيذ العقوبة فحينئذ يتدخل قاضي تنفيذ العقوبات ويتخذ بشأنه التدابير المنصوص عليها في المادة 21 ق.ع. بموجب أمر فيحال المحكوم عليه إلى المؤسسة الإستشفائية للخضوع للعلاج فإذا شفي قبل إنقضاء مدة العقوبة يتم رفع التدابير ، و إعادته للمؤسسة العقابية لإتمام ما تبقى من عقوبته ،مع إحتساب تلك المدة الإستشفائية أما إذا استوفت مدة علاجه مدة العقوبة المحكوم بها فإنه حينما يرفع عنه التدبير يخلى سبيله.
مـــــــــلاحـضـة : تجدر الإشارة أن عارض الجنون حينما يؤدي إلى إنتفاء المسؤولية الجزائية وفقا لنص المادة 47 ق.ع. فإنه لا يترتب عنه إنتفاء المسؤولية المدنية ويبقى حق الضحية في المطالبة بالتعويض عن الضرر اللاحق به قائما ،و يقع عبئ التعويض على ذمة المسؤول المدني للشخص مرتكب الجريمة.
2-2/ أثرحالة الإستهلاك والسكر على المسؤولية الجزائية:
هل يمكن إعتبار الشخص الذي فقد عنصر الإدراك و حرية الإختيار اللذين تقوم على أساسهما المسؤولية الجزائية كعارض لها ، و بالرجوع لنص المادة 47 ق.ع. معدل و متمم نجد أن المشرع الجزائري قد حصر نطاق الإعفاء في حدود الجنون المعاصر لوقت إرتكاب الجريمة دون أن يتكلم عن حالة السكر و بذلك لا يمكن إعتبارها أو حتى قياسها بعارض الجنون و لكن إجتهد الفقه في هذا الشأن وحدد فكرة فقدان الإدراك و حرية الإختيار بسبب السكر أو إستهلاك الحبوب المهلوسة وفقا للفرضيات التالية:
أ- حالة الإستهلاك و السكر الإرادي:
ففي هذه الحالة التي يستهلك فيها الشخص الشىء الذي يفقده إدراكه و حرية إختياره و يجعله لا يتحكم في تصرفاته فيرتكب جريمة ما، فإنه يكون مسؤولا جزائيا عن تبعات فعله، بل تشدد عقوبته على أساس إقتران جريمته بجريمة أخرى.
ب- حالة السكر اللا إرادي: يكون دون علم الشخص فحينما يستهلك الشخص مشروبا على أساس أنه ليس مسكرا أو حبوبا على أساس أنها أدوية عادية فيترتب عنها فقدانه للإدراك و حرية الإختيار ، ويقوم بإرتكاب جرم ما، فهل تنتفي مسؤوليتة الجزائية أم لا؟
في القانون الجنائي لا يجوز للقاضي الجزائي القياس فهو مقيد بتطبيق صريح النص الذي أقر بعارض الجنون فقط، وبذلك يكون الإستهلاك و السكر من ضمن المسائل الموضوعية التي تخضع للسلطة التقديرية للقاضي الجزائي، في إعفاء الشخص من العقوبة أوتخفيفها أو تشديدها ، و يشترط في هذه الحالة مجموعة من الشروط حتى يمكن للقاضي الجزائي تقدير مسألة الإدانة من عدمها وهي :(1)
- يجب أن يترتب عن المادة المستهلكة فقدان أو نقص الإدراك وحرية الإختيارلدى الشخص الجاني
- يجب أن يكون إستهلاك المادة المسكرة أوالمخدرة بصورة لا إرادية من قبل الشخص الجاني
- يجب أن يتزامن فقدان الشخص لإدراكه وحرية إختياره لوقت إرتكاب الجريمة.
(1)- علي عبد القادر القهوجي ، المرجع السابق ، ص:683
المحاضرة الرابعة:
2- عارض صغر السن:
نجد أنه وفقا لهذا العارض قد تنتفي المسؤولية الجزائية تماما و قد لا تنتفي إستنادا لنص المادة 49 ق.ع. معدل و متمم ، وبالرجوع إلى القانون رقم 15-12 المتعلق بحماية الطفل(1) ، نجد أن المشرع الجزائري إعتبر كل شخص لم يبلغ سن 18 سنة كاملة طفلا ، وبمفهوم آخر حدد سن الاهلية الجزائية أو ما يسمى بالرشد الجزائي ببلوغ الشخص سن 18 سنة كاملة ،و التي يعتد بها من تاريخ إرتكاب الجريمة ، كما حدد المشرع في نطاق هذا القانون ماهية الطفل الجانح وعرفه بأنه ذلك الطفل الذي يرتكب فعلا مجرما و يكون عمره لا يقل عن 10 سنوات ، كما حدد الأشخاص الذين يكتسبون صفة الممثل الشرعي للطفل وهم الولي، الوصي ،الكافل ، المقدم و الحاضن.
- مبدأ تدرج المسؤولية الجزائية للطفل
لقد نصت المادة 49 ق.ع.ج .على تدرج المسؤولية الجزائية للطفل بين الإنتفاء والإدانة على الشكل التالي:
أ- أنه لا يكون محلا للمتابعة الجزائية القاصر الذي لم يكمل 10 سنوات:
ما يفيد من تطبيقات هذه المادة أن المسؤولية الجزائية قد تنتفي تماما حينما يكون مرتكبها طفل يقل سنه عن 10 سنوات فلا يخضع الطفل لاي متابعة جزائية بإعتباره عديم الأهلية بقوة القانون ،وفي هذه الحالة يقتصرحق الضحية في طلب التعويض عن الضرر اللاحق به فقط بموجب دعوى مدنية مستقلة ترفع ضد مسؤوله المدني، الذي يتكفل بأداء التعويضات المحكوم بها بدلا عن الطفل القاصر.
(1)-القانون رقم 15/12 المؤرخ في 15 يوليو 2015 ،الجريدة الرسمية عدد39 المؤرخة في129 يوليو2015.المتضمن قانون حماية الطفل
ب- السن العمرية من10سنوات إلى أقل من 13 سنة
ولا توقع على القاصر الذي يتراوح سنه من 10 إلى أقل من 13 سنة إلا تدابير الحماية و التهذيب، ومع ذلك فإنه في المخالفات لا يكون محلا إلا للتوبيخ ، بمعنى إذا كان هذا الطفل قد تجاوز سنه العاشرة و أضحى أقل من سن 13 سنة فإن المشرع اقر له مسؤولية جزائية جد خفيفة ، بإعتباره شخصا ناقص الأهلية.
فحينما يرتكب فعلا تجريميا فإنه حينئذ يستفيذ من إجراءات المتابعة الخاصة بالأحداث ،ولا يمكن توقيع عقوبات سالبة للحرية عليه، مما يقتضي حينئذ أن توقع بشانه تدابير الحماية و التهذيب، و التي تعني إصدار أمر بتسليمه إلى وليه أو وصيه الشرعي ،أو إلى أي مؤسسة إجتماعية مختصة بالإشراف على تربية مثل هذا الطفل ، وقذ تكون العقوبة معنوية في مواد المخالفات حينما يقضي قاضي الأحداث بحكم يتضمن توبيخا لهذا الحدث كما اشرنا إليهأعلاه.
ج- السن العمرية من13سنة إلى أقل من 18 سنة:
أما القاصر الذي بلغ سن الثالثة عشر دون الثامنة عشر، فإن قاضي الأحداث يتخذ بشأنه تدابير الحماية و التهذيب أو يوقع عليه عقوبات مخففة ذكرتها المادة 50 ق.ع. متمم معدل على الشكل التالي:
- إذا كانت العقوبة المقررة الإعدام أو السجن المؤبد ،فإنه يحكم عليه بعقوبة الحبس من 10 إلى 20 سنة و إذا كانت العقوبة هي السجن أو الحبس المؤقت فإنه، يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم بها على بالغ.
وقد نصت المادة 51 ق.ع أنه في مادة المخالفات فإن القاصر الذي يبلغ من 13 إلى 18 سنة ، ينحصر الحكم عليه في حدود التوبيخ أو في حدود عقوبة مالية على شكل غرامة لفائدة الدولة .
يلاحظ أن الإختصاص القضائي في الفقرة الأولى من المادة 50 ق.ع. بإعتبار أن الفعل المرتكب من قبل الحدث يشكل جناية، عقوبته في الأصل الإعدام أو الحبس المؤبد ،إلا أنه إجرائيا يؤول الإختصاص القضائي لمحكمة مقر المجلس التي تختص بالفصل فيه، بموجب حكم يتضمن عقوبة حبس وليست عقوبة سجن، على أساس أنها محكمة جنح تختص إستثناءا بالجنايات المرتكبة من قبل الأحداث،
أما بالنسبة للفقرة الثانية من المادة 50 ق.ع فقد يؤول الإختصاص لمحكمة مقر المجلس حينما تكون الواقعة المرتكبة من قبل الحدث جناية ، وقد يؤول الإختصاص لقاضي الأحداث على مستوى المحكمة الإبتدائية بإعتبار أن الواقعة تشكل جنحة، و تكون مدة العقوبة تساوي نصف المدة المقررة أو أقل.
يتضح أن المسؤولية الجزائية وفقا لعارض صغر السن تتدرج من الإنتفاء إلى تدابير التهذيب و التربية إلى العقوبة بنصفها المقرر للراشدين قانونا، و العلة في ذلك أن عنصر الإدراك وحرية الإختيار قد تنتفي تماما عند الطفل عديم الأهلية الذي يكون سنه أقل من 10 سنوات ، و تبدأ لديه حينما يكون سنه بين الثالثة عشر و الثامنة عشر فيكون أهلا لتحمل نصف العقوبة المقررة للبالغين.
مقرر ضمانات المتهم للسنة الأولى ماستر جنائي حقوق
المحاضرة الأولى: مقياس المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي
مقدمة:
يكتسي موضوع المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي، أهمية كبيرة في القانون الجنائي لإرتباطه بعنصر العقاب أو ما يسمى بالجزاء الجنائي،ولدراسة مسألة قيام المسؤولية الجزائية من عدمها لدى مرتكب الجريمة بصفته فاعلا أصليا أو مساهما فيها، فقد حدد المشرع الجزائري بموجب قانون العقوبات المعدل والمتمم عوارض المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي تحديدا جاء على سبيل الحصرلا المثال، وذلك وفقا للمواد،و47، 48 و49منه.
ورغم إرتباط المسؤولية الجزائية بمبدأ شخصية العقوبة، إلا أن السياسة الجنائية الحديثة قد عرفت شكلا أخرلهذه المسؤولية حينما خرجت عن هذا المبدأ بإقرارها للمسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي عن فعل الغير، والذي تتجلى صورته بوضوح في الجرائم المرتكبة من قبل الأشخاص المعنوية وجرائم النشر.
وللتذكير فقد سبق دراسة هذا الموضوع في السداسي الثالث لطلبة الليسانس حقوق جذع مشترك بعنوان النظرية العامة للجريمة التي تتضمن المسؤولية الجزائية و الجزاء الجنائي.
وتشمل محاضرات هذا المقياس المحاور الأساسية التالية:
المحور الأول/مفهوم المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي
1- تعريف المسؤولية الجزائية
2- أساس المسؤولية الجزائية
3- خصائص المسؤولية الجزائية
4- شروط قيام المسؤولية الجزائية
- الارادة حرية الاختيار
- الخطورة الإجرامية
المحور الثاني/عوارض المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي
1 - الجنون
2- صغر السن
3- الإكراه وحالة الضرورة
المحور الثالث/المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي عن فعل الغير
المحور الأول/مفهوم المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي
نتطرق في هذا المحور للإطار المفاهيمي العام لموضوع المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي، من حيث التعريف وتحديد الأساس الذي تقوم عليه و شروط قيامها .
أولا/ تعريف المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي
هي تحمل تبعة الجريمة والالتزام بالخضوع للجزاء الجنائي المقرر لها قانونا.(1) أي بمعنى أن الشخص الذي يرتكب الفعل التجريمي بإرادته و حريته يتحمل ما يترتب عنها من آثار سلبية تقتضي العقاب،فالحديث عن المسؤوالية الجزائية لا يكون إلا بعد إرتكاب الجريمة مهما كان وصفها الجنائي (جناية ، جنحة ، مخالفة) ، أو تكييفها القانوني (سرقة، ضرب وجروح عمدية، أو قتل عمدي ...الخ) فالمسؤولية الجزائية هي عصب القانون الجنائي ، لأنها تعتبر مرحلة وسطية بين الفعل التجريمي و الجزاء الجنائي المقرر له .
والمسؤولية الجزائية ليست ركنا من أركان الجريمة أو شرطا لقيامها ،بل أنها تكون لاحقة عن إرتكاب الجريمة وليست سابقة عنها(2)، وتشمل الأشخاص الطبيعية والأشخاص المعنوية.
ثانيا/ أساس المسؤولية الجزائية:
إن تحديد الأساس الفلسفي الذي تقوم عليه المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي له أهمية كبيرة في تحديد خصائص المسؤولية الجزائية وعناصرها ،ففي العصور القديمة فكرة ، كانت المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي تقوم على أساس المسؤولية المادية التي تعتد بالفعل دون الفاعل ، فإذا إرتكب ايا كان فعلا يعتبر في منظور مجتمعه غير مأ لوف فإنه يعاقب عليه دون مراعاة لصغر سنه أو جنونه أو إن كان مكرها على فعل ذلك ،بل أن العقوبة تتعداه إلى ممتلكاته أو أهله أو حتى جثته ، فلا وجود لأساس الإرادة و حرية الاختيار وحتى لمبدأ شخصية العقوبة ،ثم تطورت الفكرة مع تطور الفكر الإنساني عبر التاريخ فظهرت عدة مدارس فقهية تتكلم بشأن تحديد الأساس الصحيح للمسؤولية الجزائية(3) والتي سنتطرق لها فيما يلي:
.(1)علي عبد القادر القهوجي شرح قانون العقوبات القسم العام منشورات الحلبي الحقوقية سنة 2002 ص578
(2)- محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم العام ،دار النهضة العربية ، مصر ، سنة 1977ص:459
(3)-عبد الفتاح الصيفي، النظرية العامة لقانون العقوبات اللبناني، دار النهضة العربية ،بيروت سنة 1972، ص:40
1- الأساس التقليدي للمسؤولية الجزائية:
نتطرق في ظل الحديث عن الأساس التقليدي للمسؤولية الجزائية عن المدرسة التقليدية التي يتزعمها الفقيه الإيطالي شيزاري دي بكاريا ثم المدرسة التقليدية الحديثة التي أضافت فكرة تدرج المسؤولية الجزائية .
أ- المدرسة التقليدية:
تقوم على حرية الإختيار ويتزعم هذه المدرسة الفقيهة الإيطالية شيزاري دي بكاريا من خلال مؤلفاته في الجرائم و العقوبات سنة 1764 الذي تضمن المبادئ العامة للقانون و الوظيفة النفعية للعقوبات ، وكانت هذا الفقيه متأثرا بأفكار الفيلسوف جون جاك روسو، خاصة كتابه العقد الإجتماعي، و تقوم فكرة هذه المدرسة على انه ما دام كافة الناس متساوين في الحقوق و الحريات فإنهم يتمتعون بالقدرة على التمييز بين الخير و الشر ، و لهم الحرية في إرتكاب الجريمة أو الإمتناع عنها، وبذلك فإنه إذا توفر عنصر حرية الإختيار تقوم المسؤولية الجزائية و إذا إنعدم تنعدم المسؤولية الجزائية ، و منه قسم المجتمع إلى فئتين ، فئة مدركة لأفعالها حرة في إختيارها تسأل جزائيا ، و فئة لا تدرك طبيعة أفعالها و لا تملك حرية الإختيار فلا تسأل جزائيا كما هو الحال بالنسبة للأطفال والمجانين.
ب- المدرسة التقليدية الحديثة:
أعابت التقسيم الثنائي للأشخاص الذي نادت به المدرسة التقليدية القديمة ، لانه لا يتوافق مع الواقع ، و جاءت بفكرة تدرج المسؤولية الجزائية إرتباطا بقاعدة تفاوت الأشخاص من حيث مدى تمتعهم بحرية الإرادة و قدرتهم على الإدراك و التمييز ، فحسبهم المسؤولية الجزائية تختلف من شخص لآخر حسب درجة و مقدرة و إدراك و تمييز و حرية و إختيار كل شخص،ومنه فإنه توجد فئات أخرى لم يهتم بها أصحاب المذهب التقليدي القديم يقتضي بوجودهم الأخذ بمبدأ المسؤولية الجزائية المتدرجة أو المخففة مع ضرورة تناسب العقوبة حسب درجة المسؤولية(1).
.(1)علي عبد القادر القهوجي المرجع السابق ص :585
2- أساس المسؤولية الجزائية لدى المدرسة الوضعية:
يرى أنصار هذا المذهب وعلى رأسهم الفقيه أوكست كونت ومن سايره في منهجه البحثي من الفقهاء الإيطاليين ، أمثال لامبروزو ،فيري وجاروفالو،أن الإنسان ليس مخيرا في تصرفاته، فهي محكومة بأسبابها ، وتكون في الأصل دائما نتيجة حتمية لوجود أسباب مؤدية لوقوعها، وهذا ما تسميه هذه المدرسة بمبدأ السببية الحتمية التي يقصد بها وجود أسباب وعوامل تدفع الشخص نحو إرتكاب الجريمة حتما دون أن تكون حرية الإختيار، وتتنوع هذه العوامل إلى عوامل داخلية تتعلق بالتكوين العضوي للشخص أو النفسي والذهني له كالأمراض النفسية والعصبية وكذا العوامل الوراثية ،وقد تكون عواملا خارجية كالظروف المعيشية السيئة والتفكك الأسري والمحيط الإجتماعي غير السوي،فكلها تدفع حتما إلى الإجرام .
ووفقا لمبدأ السببية الحتمية فإن أساس المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي لا تقوم على مبدأ حرية الإختيارالذي تترتب عنه بالضرورة توقيع العقاب،بل أنها تقوم على أساس مبدأ الخطورة الإجرامية للشخص مرتكب الجريمة، وما الفعل المرتكب سوى دلالة عن وجود هذه الخطورة الإجرامية مما يقتضي معه تطبيق التدابير الوقائية اللازمة للتصدي لها وحماية المجتمع منها.(1) سواء تعلق الأمر بالمجنون أو الطفل الصغير ما دام أصبحا مصدرا للخطورة الإجرامية.
ويقصد بالخطورة الإجرامية تلك الحالة أو الصفة النفسية اللصيقة بشخص الجاني التي تنذر بإحتمال إقدامه على إرتكاب جريمة أخرى في المستقبل و تقتضي لقيامها توافر الشروط التالية:
1- طبيعة الشخص الجاني غير العادية
2- إرتكاب جريمة سابقة
3- إحتمالية إرتكاب جريمة أخرى في المستقبل.
.(1)- السعيد مصطفى السعيد ص:381
3- أساس المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي في الشريعة الإسلامية:
كان للشريعة الإسلامية الفضل الكبير في وضع أسس موضوعية ممتازة جدا للمسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي ، أساسها أخلاقي يرتكز على مبدأ حرية الإختيار(1)، وجاءت في ذلك آيات كثيرة منها قوله عزى وجل (إناهديناه السبيل إما شاكرا أو كفورة) .(2) وقوله :( فمن شاء فليِمؤن ومن شاء فليكفر) (3) فالإنسان بصفة عامة حر في الإختياربين الخير و الشر مع وجوب أنه يكون مدركا لحقيقة أفعاله،ودون ذلك لا تقوم مسؤوليته الجزائية ولا عقاب عليه حتى ولو إرتكب فعلا يشكل جريمة من جرائم الحدود أو القصاص ، ما دام أنه يفتقد للإرادة و الإدراك فلا يمكن توقيع الحد عليه أو القصاص منه، وهذا حال الشخص المجنون أو الطفل الصغير، إلا أن الفقه الجنائي الإسلامي وفي باب التعازير إنتهج سياسة خاصة لحماية المجتمع والتصدي للخطورة الإجرامية لمن إنتفت مسؤوليتهم الجزائية بسبب عارض الجنون أو صغر السن بتطبيق تدابير وقائية ملائمة (4) ذات طابع علاجي وتربوي كوضع الشخص المجنون بمصحة أو مستشفى لعلاجه وإيداع الطفل الصغيرلدى مراكز مختصة بالحماية والتربية.
4- أساس المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي في القانون الوضعي
إن القوانين الجزائية بما فيها التشريع الجزائي الجزائري تأخذ بالأساسين معا، الأساس الذي نادت به المدرسة الوضعية مبدأ الخطورة الإجرامية الذي يقتضي إتخاذ تدابير الأمن ، والأساس الذي يقوم على مبدأ حرية الإختياروالقدرة على إدراك وتمييز طبيعة الأفعال المرتكبة، ومنه نجد أن المشرع جاء بفكرة تفريد الجزاء الجنائي بإعتبار أن الاشخاص قد لا يتساوون في العقوبات، فلكل واحد ظروفه ودوافعه لإرتكاب الجريمة ، كما كرس مبدأ شخصية العقوبة الذي يقصد به توقيع العقوبة على مرتكب الجريمة فقط دون سواه ، وتوسع في نطاق الحد من المسؤولية الجزائية حينما نص على موانعها فلا عقوبة على من توافر في فعله سببا من أسباب الإباحة أو عارض من عوارض المسؤولية أو مانع من موانع العقوبة
وأكدت هذه التشريعات الجزائية على أن الأصل في المسؤولية الجزائية ينصب على توافر شروطها المتمثلة في حرية الإختيار والقدرة على الإدراك والتمييز، ويستثنى من ذلك فئة الأطفال القصر والمجانين الذين يخضعون للتدابير الوقائية وتدابير الحماية والتربية، للتصدي لخطورتهم الإجرامية وتفادي ارتكابهم جرائما أخرى مستقبلا.
.(1)-علي راشد ،القانون الجنائي المدخل و؟أصول النظرية العامة ،دار النهضة العربية ،الطبعة 2 سنة 1974 ص:165
(2.) الأية3 من سورة الإنسان.
(3) الأية 29 من سورة الكهف
(4)- عبد القادرعوده،التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي،الجزأ الأول،مؤسسة الرسالة ،بيروت،الطبعة 4 سنة1983 ص:385
المحاضــــــــــــــرة الثانيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
ثالثا/ أركان قيام المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي :
إن إرتكاب جريمة ما لا يؤدي بالضرورة إلى تطبيق العقوبة المقررة قانونا على مرتكها ، إلا إذا تأكد من توافر شروط وأركان قيام المسؤولية الجزائية لدي الشخص مرتكب الجريمة بصفته فاهلا أصليا أو مساهما فيها، وتقوم المسؤولية الجزائية على ركنين أساسيين هما : الخطأ و الأهلية
1- الخطأ : هو إتيان فعل مجرم قانونا و معاقب عليه سواء عن قصد أو عن غير قصد.فبمجرد إرتكاب الفعل التجريمي وتحريك الدعوى العمومية تثار مسألة ما مدى توافر شروط قيام المسؤولية الجزائية ،ودون وقوع الفعل التجريمي وتحريك الدعوى العمومية فلا وجود للمسؤولية الجزائية التي تكون دوما لاحقة عن الجريمة وترتبط بالجزاء الجنائي من حيث توقيعه أو عدم توقيعه.
2- الأهلية القانونية : لا يحمل القانون الشخص عبء تصرفاته ، إلا إذا كان قادرا على الإدراك و الفهم بمعنى أن تكون لديه قدرات عقلية تجعله يعرف طبيعة أفغاله و حرا في إختيارها ،فلا تقوم المسؤولية على شخص لا قدرة له على إدراك و فهم ما يقوم به من تصرفات كالمجنون أو القاصر ، كما لا تقوم المسؤولية أيضا على من أكرهته قوة لا قبل له بها أفقدته القدرة على مقاومتها، و حرية إتخاذ القرار و الخيار المناسب كما من مكرها على ارتكاب الجريمة ، فمن كان في حالة جنون وإرتكب جرما فإنه لا يتحمل نتائج جريمته ،و هذا ما أخذ به المشرع الجزائري في المادة 47 ق.ع. (1) "لاعقوبة لمن كان في حالة جنون وقت إرتكاب الجريمة...".
(1) الأمر 66/156 المؤرخ في 8 يونيو 1966 المتضمن قانون العقوبات الجزائري المعدل و المتمم
رابعا/ خصائص المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي
كما سبق القول أن تحديد الأساس الذي تقوم عليه المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي يكتسي أهمية كبيرة في تحديد خصائص هذه المسؤولية ،فما دامت المسؤولية تقوم في الأصل على أساس حرية الإختيارواستثناء على الخطورة الإجرامية ،فإنه يترتب عن ذلك إستنباط الخصائص التالية:
1- الأشخاص محل المسؤولية الجنائية:
بإعتبار أن الكائن الوحيد الذي يملك عقلا يفكر به ويتدبرشؤونه تدبرا سويا، مستعملا في ذلك قدراته الذهنية ،وله حرية إختيار أفعاله وتمييزها بين خيرها وشرها ،هو الإنسان دون سواه من الكائنات الحية الأخرى،فإنه هو المخاطب بهذه القوانين التي إتخذته محلا للمسؤولية الجزائية ،فالجريمة كسلوك مادي تقتضي أن تصدرعن إرادة إجرامية وهذه الإرادة لا يتمتع بها إلا الإنسان مما يجعله يتحمل تبعات أفعاله الجرمية التي إرتكبها بإختياره مع إدراكه لطبيعتها وقابليته لتوقيع العقوبة عليه.
لكن تطور السياسة الجنائية الحديثة بإقرار جل التشريعات الجزائية بما فيها التشريع الجزائري مبدأ قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، لمقتضيات التطورالإجتماعي في كل المجالات ،جعلت النطاق الشخصي للمسؤولية الجزائية لا يقتصر على الإنسان فقط بل يتعداه إلى شخصية قانونية جديدة تتمثل في الأشخاص المعنوية ،فقد أقر المشرع الجزائري ذلك بموجب المادة 51مكرر من قانون العقوبات المعدل والمتمم... يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف اجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك "
2- شخصية المسؤولية الجزائية:
بما أن أن المسؤولية الجزائية هي تحمل تبعة الفعل التجريمي المرتكب، والإلتزام بالخضوع للجزاء الجنائي المقرر لها قانونا، فإنها ترتبط بالضرورة بمبدأ شخصية العقوبة إرتباطا وثيقا الذي يترتب عنه بالمقابل مبدأ شخصية المسؤولية الجزائية، فلا تقوم هذه المسؤلية إلا في حق من إرتكب الجريمة والذي يتحمل العقوبة المقررة لها ،ولا تتعدى لغيره ممن لاعلاقة لهم بالواقعة الجرمية ،وقد أضحى هذا المبدأ ذا مرجعية دستورية نظرا لأهميته في تحقيق العدالة الجنائية، وحماية الأشخاص من أي تعسف أو مساس بحقوقهم وحرياتهم العامة التي تكفلها القوانين،
وقد إستحدثت التشريعات الجزائية الحديثة ما يسمى بالمسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي عن فعل الغير والتي تتجلى صورته في الجرائم المرتكبة من قبل الأشخاص المعنوية.
خامسا/ شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي:
يقتضي لقيام المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي توفر مجموعة من الشروط التي نصت عليها القوانين الجنائية وحددتها بشكل دقيق لا يشوبه أي غموض وتتمثل في شرطي الإدراك وحرية الإختيار وشرط الخطورة الإجرامية.
1- شرطا الإدراك وحرية الإختيار:
يقصد بالإدراك قدرة الإنسان على فهم ماهية أفعاله وتقدير نتائجها، والتمييز بين الخير والشروفقا للحياته
المألوفة التي يعيشها فمن خلال وسطه الإجتماعي يستطيع الشخص أن يدرك طبيعة هذه الأفعال و السلوكيات التي يرتضيها و يتقبلها المجتمع و الأخرى التي ينكرها و ينبذها بل و يعاقب عليها، إذن نحن نتكلم على الإدراك ليس بمفهومه القانوني الضيق الذي يقتضي علم الشخص بطبيعة الواقعة الإجرامية ومبدأالشرعية في التجريم و العقاب و على ذلك نجد أن الشخص لا يعذر بجهل القانون حينما يرتكب فعلا مجرما يتحمل تبعاته الجزائية و على ذلك بإن القدرات الذهنية و العقلية التي يتميز بها الشخص هي الآلية التي يستعملها من خلال وسطه الإجتماعي في تحديد ماهية الأفعال المقبولة و المرفوضة و بهذه الآلية يحاسب الشخص وفقا لمبدأالمسؤولية الجزائية و بإنعدامها تنتفي هذه المسؤولية حينما يكون الشخص فاقدا لعنصر الإدراك و التمييز بسبب عارض من عوارض المسؤولية (1).
وتجدر الإشارة بأن الإدراك يختلف هن عنصر الإرادة بإعتبار هذه الأخيرة قد تتوافر لدى أي شخص للقيام بالفعل دون أن يكون مدركا لطبيعة هذا الفعل أو مميزا لضرره لذلك نجد أن الشخص المجنون مثلا قد يسعى لإرتكاب أي فعل كان و دون أن يدرك ماهيته .
(1)عبد القادر القهوجي ، المرجع السابق ،ص:627
أما فيما يخص حرية الإختيار فتعني أن الإنسان له القدرة على توجيه إرادته إلى تحقيق عمل معين أو للإمتناع للقيام به، فالشخص في هذه الحالة لا يكون مكرها أو مضطرا بل يكون في سعة من أمره و له إختيارات عدة يمكن أن يختار منها ما يراه مناسبا و لا يرتب ضرر للغير فحينما يختار الشخص معنا ذلك أنه يقوم بتوجيه إرادته نحو تحقيق ذلك الإختيار،وقت إرتكاب الجريمة بمعنا أن يكون للإنسان حرية الإختيار في زمن إرتكاب الجريمة دون أن تكون هناك عوامل داخلية أو خارجية يد إضطرته لإرتكابها و التي سنناقشها لاحقا .
2- شرط الخطورة الإجرامية :
هي في الأصل تعتبر أساسا تقوم عليه المسؤولية الجزائية للشخص مرتكب الجريمة حينما ينعدم شرط الإدراك و حرية الإختيار ،مما يضطر القاضي الجزائي إلى تطبيق ما يسمى بالتدابير الإحترازية أو تدابير الأمن للتصدي للخطورة الإجرامية للشخص مرتكب الجريمة حتى لا يعيد إرتكابها مستقبلا .
أ- تعريف الخطورة الإجرامية:
و الخطورة الإجرامية هي حالة نفسية لصيقة بالشخص الجاني تنذر بإحتمال إرتكابه جريمة أخرى مستقبلا ،وقد عرفها الدكتور مأمون سلامة بأنها :إستعداد يتواجد لدى الشخص يكون من المحتمل إقدامه على إرتكاب جرائم مستقبلية ،ويكون هذا الإستعداد أصليا أو مكتسبا لدى الشخص(2)
ويرى الفقيه غريسبيني بأن الخطورة الإجرامية هي :أهلية الفرد لأن يصبح على وجه الإحتمال مرتكبا للجريمة ،وتتمثل هخذه الخطورة في حالة الشخص وصفته وظروفه الطبيعية الدافعة لأن يكون مرتكبا للجريمة،
والتعريف الأرجح للخطورة الإجرامية هي:إحتمال قوي لشخص وفقا لحالته وبيئته لإرتكاب الجريمة مستقبلا(3)، التقديرية ومن خلال مظاهر الخطورة الإجرامية يمكن للقاضي الجزائي تقديرها في حدود سلطته التقديرية.
(1)مأمون سلامة حدود سلطة القاضي الجزائي في تطبيق القانون طبعة 1975 ص:103-108
(2)-بن الشيخ نورالدين ، النظرية العامة للتدابير الإحترازية،رسالة ماجستير في العلوم الجنائية ،كلية الحقوق باتنة سنة:2000ص:84
(3)-عبد الفتاح مصطفى الصيفي علم الإجرام والعقاب ص:160
ب- أهمية الخطورة الإجرامية:
تتجلى هذه الأهمية في تطبيق تدابير الأمن المنصوص عليها قانونا، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالخطورة الاجرامية ،فإذا وجدت هذه الخطورة لدى الشخص فإنه يقتضي اللجوء إلى تطبيق تدابير الأمن التي تنتهي بإنتهاء حالة الخطورة الإجرامية،وتستمر بإستمرارها.كما أن هذه الأهمية ترتبط بتطبيق العقوبة، فإذا إتضح أن الشخص لا تبدو عليه دلالات الخطورة الإجراميه فإنه لا يخضع لتدابير الأمن بل للعقوبة المقررة للجريمة المرتكبة.
ج- شروط الخطورة الإجرامية:تقتضي الخطورة الإجرمية توافر شرطين أساسين للدلاة على وجودها ، وهما شرط الجريمة السابقة وشرط ارتكاب الجريمة مستقبلا.
1-ج- شرط الجريمة السابقة:
يرتبط هذا الشرط بمبدأ الشرعية الذي تخضع له التدابير الإحترازية أو ما نسميها بتدابير الأمن ،فلا يمكن مساءلة أي شخص جزائيا وتوقيع تدابير الأمن عليه إلا إذا كان قد إرتكب جريمة ما، كما أنه يرتبط بالمسؤولية الجزائية التي لا يمكن أن تقوم دون وجود الجريمة،فهذا الشرط يعتبر مهما جدا بإعتباره دليلا على خطورة الجاني الإجتماعية والتي يمكن للقاضي من خلالها أن يقدر العقوبة أو التدبير الملائم لشخص مرتكب الجريمة.
- 2-ج- شرط إحتمال إرتكاب جريمة مستقبلا:هذا الشرط يستشف من حالة الجاني النفسية وميوله العدوانية التي تدل على إستعداده لإرتكاب جريمة جديدة مستقبلا ،كما يستشف من درجة جسامة الجريمة المرتكبة التي تكون لها دلالتها في تقدير الخطورة الاجرامية، فكلما كانت الجريمة المرتكبة خطيرة وجسيمة كلما إزدادت نسبة إحتمال إرتكاب أخرى مستقبلا،وقد عبر الدكتور عبد الله سليمان عن عنصر الإحتمال بقوله:يمكن إعتباره حكما موضوعيا حول علاقة بين واقعة جرمية مرتكبة وأخرى مستقبلية ،فإذا تحققت اّلأولى أصبح تحقق الثانية متوقعا وفقا للمجرى العادي للأمور. (1)
(1)- عبدالله سليمان سليمان النظرية العامة للتدابير الإحترازية –دراسة مقارنة –المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر سنة 1990ص:227