المحاضرة الأولى:
تمهيد:
بعد دراسة المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي واحاطتنا بموضوعها والمسائل القانونية التي تثيرها وخاصة ما تعلق منها بالعوارض التي قد تحول دون قيام المسؤولية الجزائية،ننتقل في هذا الجزء لدراسة موضوع أخر لا يقل أهمية عن الموضوع الأول ويعد من المواضيع المستحدثة التي اقرتها التشريعات الأجنبية وكذا التشريع الجزائري نظرا لطبيعته وأهميته الاقتصادية والاجتماعية التي اقتضت تنظيمه وتحديد نطاق مسؤوليته الجزائية.
إن موضوع المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أثارت الكثير من الجدل الفقهي بين مؤيد ومعارض فأقرتها دولا ورفضتها أخرى، فما هي المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي؟وما هي المسائل التي تثيرها؟وما موقف التشريعات الجزائية منها ؟
لدراسة هذا الموضوع قسمناه إلى أربع مباحث هي:
المبحث الاول:دراسة ماهية الشخص المعنوي
المبحث الثاني:ماهية المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
المبحث الثالث: شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي و إجراءات المتابعة
المبحث الرابع: المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن فعل الغير
المبحث الاول /ماهية الشخص المعنوي:
سنتطرق من خلال هذا المبحث لماهية الشخص المعنوي و لكل العناصر المرتبطة به ،التي يحتاجها الطالب لفهم الموضوع
المطلب الاول/تعريف الشخص المعنوي وخصائصه :
كالعادة فإن التشريعات القانونية بما فيها التشريع الجزائري لم تعرف الشخص المعنوي بموجب نص، و تركت شأن ذلك للفقه القانوني الذي أسهب في ذلك كلا حسب مذهبه و إتجاهه الفلسفي و رغم ذلك فإنها إتفقت جميعها على تحديد خصائص الشخص المعنوي الممنزحة له قانونا.
الفرع الاول/- تعريف الشخص المعنوي:
عرفه الدكتور توفيق حسن فرج على أنه " مجموعة من الأشخاص أو الأموال تهدف إلى تحقيق غرض معين ، و يمنح الشخصية القانونية بالقدر اللازم لتحقيق هذا الغرض.
وعرفها الدكتور بعلي محمد الصغير على أنه : " مجموعة أشخاص أو مجموعة أموال تتكون لأجل تحقيق غاية مشروعة بعد إكتساب الشخصية القانونية.
ويتضح من خلال هذا التعريف أن الشخص المعنوي يتكون من مجموعة من الأشخاص ( الأفراد) الذين يتمتعون بشخصيتهم القانونية المستقلة عن الشخصية القانونية الممنوحة للشخص المعنوي ، وهذا ما سنوضحه أكثر عند دراسة خصائص الشخص المعنوي ، وقد يتكون من مجموعة من الأموال تخصص لغرض معين لا يتعارض مع القانون ،سواء كان ذا طبيعة تجارية ربحية، أو ذا طبيعة خيرية ، و يحتاج لمزاولة نشاطه إكتساب الشخصية القانونية .
والغرض الذي يكتسب لأجله الشخص المعنوي الشخصية القانونية ،يكون مستقلا عن الأغراض الخاصة بالأشخاص الطبيعيين المكوننين له ، وعلى أساس ذلك فإن الأشخاص المعنوية تتنوع حسب طبيعة الغرض الذي أنشئت لأجله، فإذا كان الغرض عاما مرتبط بالسلطة العامة ، فإن الشخص المعنوي يكون من أشخاص القانون العام ، أما إذا كان خاصا فيكون من أشخاص القانون الخاص.
كما أن الشخصية القانونية التي تمنح للشخص المعنوي تكون في حدود ما يحتاجه لتحقيق أغراضه وبذلك تتحدد الأنشطة التي يلتزم بها بموجب قانونه الأساسي أو عقد إنشائه ، أو سجله التجاري فلا يتجاوزها، و على ذلك فإن المؤسسة الإقتصادية الناشطة في قطاع معين لا يجوز لها ان تنشط في قطاع آخر غير مذكور بعقد تأسيسها ، و إلا كان ذلك تجاوزا للغرض الذي أسست لأجله مما قد يؤدي إلى مساءلتها قضائيا.
الفرع الثاني/خصائص الشخص المعنوي:
يتميز الشخص المعنوي بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن باقي الأشخاص المعنوية الأخرى كما هو الحال بالنسبة للشخص الطبيعي، وقد نصت المادة 50 من القانون المدني الجزائري عليها.
وهي: الذمة المالية المستقلة ، الأهلية القانونية ، الموطن ، نائب يعبر عن إرادته ، حق التقاضي ، و إشتراط إسما له في قوانين اخرى.
أولا/ الذمة المالية المستقلة للشخص المعنوي :
يتمتع الشخص المعنوي بذمة مالية خاصة به ، تمثل الضمان العام لدائنيه و تكون إجابية أو سلبية ، و مستقلة تماما عن الذمة المالية للاشخاص الطبيعيين المكوننين له ،ولا تكون ضامنة لديونهم الشخصية، كما أن الأموال الخاصة بالأشخاص المكوننين للشخص المعنوي لا تكون ضامنة لديونه إلا في حدود ما إستثناها القانون ، كما هو الحال بالنسبة لشركات التضامن و شركات التوصية التي تكون أموال مؤسسيها ضامنة لديون الشركة - الشخص المعنوي- ، ورغم ذلك فهذا الإستثناء لا يعني وحدة الذمة المالية وعدم إستقلاليتها ، بل تبقى الذمة المالية للشخص المعنوي مستقلة عن الذمة المالية لمؤسسيه ولكن الطبيعة القانونية الخاصة لهذه الشركات و الإعتبارات الشخصية ( شركات عائلية) يجعل أفرادهها في مركز الضامن لديونها.
المحاضرة الثانية: تابع لموضوع الخصائص:
ثانيا/ الاهلية القانونية للشخص المعنوي:
بإكتساب الشخص المعنوي للشخصية القانونية تترتب له مباشرة الأهلية بنوعيها ، أهلية وجوب و أهلية أداء ، و أهلية الوجوب يتحدد نطاقها إرتباطا بطبيعة الشخص المعنوي و أغراضه ، فهو يكتسب الحقوق و يتحمل الإلتزامات التي تتوافق مع طبيعة تكوينه و هذا ما نصت عليه المادة 50/1 من القانون المدني الجزائري " يتمتع الشخص الإعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان و ذلك في الحدود التي يقررها القانون* وبذلك فإن الحقوق اللصيقة بالشخص الطبيعي كحقوق الأسرة مثل الزواج و القرابة و الميراث ،أو الحق في السلامة الجسدية ،وواجب الخدمة الوطنية فإنها لا تكون للشخص المعنوي.
وأهلية وجوب الشخص المعنوي تتقيد بمبدأ التخصص الذي يتحدد بقانونه التأسيسي او عقد إنشائه.ويرتبط بالغرض الذي أنشيء لأجله ،وهو ما نصت عليها المادة 50 ق.م بقولها " أهلية في الحدود التي يعينها عقد إنشائها أو التي يقررها القانون" و بذلك فإنه لا يجوز للشخص المعنوي أن يخرج عن نطاق تخصصه فتكون تصرفاته حينئذ غير قانونية ، فالجمعية الخيرية أو الرياضية أو الثقافية مثلا تنشأ لتحقيق أهداف معينة و محددة كتفعيل العمل الخيري و الأنشطة الرياضية و التظاهرات الثقافية فإذا حادت عن هذه الأغراض نحو أنشطة إقتصادية ، تكون قد اخلت بإلتزاماتها و تتعرض للجزاء .
أما أهلية الأداء بالنسبة للشخص المعنوي فهي تعني صلاحيته لإكتساب الحقوق و تحمل الإلتزامات و ذلك عن طريق الاشخاص الطبيعيين القائمين على تسييره ، الذين يعبرون عن إرادته و يتصرفون بإسمه و لحسابه لا بإسمهم الشخصي أو لحسابهم ،وعلى هذا الاساس تتحدد مسؤولية الشخص المعنوي المدنية منها أو الجزائية ، مقارنة بتلك المقررة للأشخاص الطبيعيين القائمين على إدارته.
ثالثا/ موطن الشخص المعنوي:
يجب أن يكون للشخص المعنوي موطنا خاصا به مستقلا عن الأشخاص الطبيعيين القائمين بشؤونه ويكون مقرا لإدارته المركزية ، الذي يشمل نشاطه القانوني و المالي و الإداري ، وهذا ما أقره المشرع الجزائري على أن يكون موطن الشركة في مركز الشركة .
وقد يكون للشخص المعنوي فروعا تابعة له داخل الوطن أو خارج الوطن ،كما هو الحال بالنسبة للشركات الصناعية الوطنية و الأجنبية المتواجدة بالجزائر ، ففي هذه الحالة إعتد المشرع الجزائري في تحديد الإختصاص القضائي للجهة القضائية التي تقع بدائرة إختصاصها إحدى فروع الشخص المعنوي وفقا لنص المادة 9 ق.إ.م.إ . التي تنص على أنه " في الدعاوى المرفوعة ضد شركة أمام الجهة القضائية التي تقع في دائرة إختصاصها إحدى مؤسساتها ، أما الإختصاص في المادة الجزائية فيؤول للجهة القضائية التي وقعت بدائرة إختصاصها الجريمة أو التي يقع في دائرة إختصاصها المقر الإجتماعي للشخص المعنوي حسب نص المادة 65 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية " يتحدد الإختصاص المحلي للجهة القضائية بمكان إرتكاب الجريمة أو بمكان وجود المقر الإجتماعي للشخص المعنوي
و الشركات الأجنبية التي لها فرع بالجزائر ومركزها الرئيسي يقع بالخارج فإنه و بمقتضى نص المادة 50 ق.مدني. فإنه يعتد بفرعها المتواجد بالجزائر ويعتبر مركزا لها في نظر القانون الجزائري وقد عبرت عن ذلك بما يلي : " الشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج و لها نشاط في الجزائر يعتبر مركزها في نظر القانون الداخلي ،في الجزائر
رابعا/ وجود من يعبر عن إرادة الشخص المعنوي :
باعتبار الشخص المعنوي شخصية قانونية افتراضية ليس له كيانا ماديا، فإنه و لأجل تحقيق الغرض الذي أنشئ لأجله اقتضى القانون وجود شخص طبيعي يتصرف باسمه ولحسابه، ويتمثل هذا الشخص الطبيعي في أجهزته أو ممثله الشرعي الذي يعبر عن إرادته التي حددها المشرع الجزائري وهم: مسيريه القانونيين ، كالرئيس المدير العام ، المدير العام ، مجلس الإدارة ، مجلس المديرين ، مجلس المراقبة ،و الجمعية العامة .
ولقد نصت المادة 51 مكرر من قانون.العقوبات الجزائري. المعدل و المتمم، على ذلك " ... يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف اجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك "
ووضحت المادة 65 مكرر 2 من القانون أعلاه طبيعة الممثل القانوني بإعتباره ذاك الشخص الطبيعي الذي يمتلك تفويضا بموجب القانون او بموجب القانون الأساسي للشخص المعنوي ، فمن خلال هذا التفويض الصريح يكون هذا الشخص ممثلا شرعيا للشخص المعنوي ينوب عنه في جميع تصرفاته و أنشطته و تعاملاته و يعمل بإسمه و لحسابه.
خامسا/ اسم الشخص المعنوي:
لكل شخص معنوي إسما يميزه عن باقي الأشخاص المعنوية الأخرى، و يتم اختيار التسمية من قبل مؤسسيه وتقيد بسند إنشائه ، ويرتبط الإسم عادة بالغرض الذي تأسس الشخص المعنوي لأجله ،و للإسم أهمية كبيرة بإعتباره عنصرا مهما تقتضيه القوانين المنشئة له، كماهو الحال بالنسبة لشركة نقاوس للمشروبات ، مؤسسة كوندور للمنتوجات الإلكترونية ، جمعية كافل اليتيم و غيرها كثير ، وقد أحاط المشرع إسم الشخص المعنوي بحماية قانونية مدنية و جزائية في حالة إستعماله من قبل الغير بهدف المنافسة غير المشروعة أو استغلال الاسم التجاري بطرق تدليسية غير مشروعة.
سادسا/ حق التقاضي للشخص المعنوي:
نص عليه المشرع الجزائري كحق من الحقوق التي يتمتع بها الشخص المعنوي و فقا لنص المادة 50 من ق.م. ويجب أن يقيد هذا الحق بسند إنشائه.
فمن خلال هذا الحق يكون للشخص المعنوي الأهلية القانونية للدفاع عن حقوقه أمام الهيئات القضائية كمدعي أو مدعى عليه أو مدخلا في الخصام ، ويتمتع حينئذ بكافة الحقوق المضمونة لأطراف الخصومة القضائية ، وينوب عنه بطبيعة الحال ممثله القانوني أو من يتم تفويضه من قبل هذا الأخير أو بتكليف محام للدفاع عنه .
المحاضرة الثالثــــــــــــــــــــــــــــــة:
المطلب الثاني/ أنواع الأشخاص المعنوية :
نصت المادة 49 من القانون المدني. المعدل و المتمم على أن الأشخاص الاعتبارية هي :
-الدولة ، الولاية ، البلدية.
- المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري.
- الشركات المدنية و التجارية .
- الجمعيات و المؤسسات .
- الوقف
- كل مجموعة من اشخاص او اموال يمنحها القانون شخصية قانونية.
ومنه فالأشخاص المعنوية تنقسم إلى أشخاص معنوية عامة و اخرى خاصة ، ولكل منها نظامها القانوني و أحكامها الخاصة .
الفرع الأول/ الاشخاص المعنوية العامة :
تتمثل في كل الأشخاص المعنوية التي تخضع لأحكام القانون العام ،و على رأسها الدولة و هيئاتها كالولاية و البلدية، و التي يتقيد إختصاصها و سلطاتها في حدود إقليمها ،و تتولى تسيير شؤون المرافق العمومية ، وتسهر على خدمة الصالح العام ، وهناك المؤسسات العامة التي تختص بأداء وظائف معينة ذات طابع مرفقي محدد، و تشمل كافة المرافق العامة الخدماتية كالمؤسسات الجامعية و المستشفيات و المؤسسات الصناعية و المالية ذات الطابع العمومي ،و من ضمن هذه الفئة من الأشخاص المعنوية العامة من يخضع لقواعد القانون الخاص ، كما هو الحال بالنسبة للمؤسسات العمومية الإقتصادية التي تخضع لقواعد القانون التجاري .
الفرع الثاني/ الأشخاص المعنوية الخاصة :
هي اشخاص القانون الخاص و قد تكون جماعة من الاشخاص التي تجتمع لتحقيق غرض معين ذا طبيعة ربحية كالشركات التجارية أو ذا طبيعة خيرية كالجمعيات الخيرية ، أو الثقافية أو رياضية، كما أن هذا النوع من الأشخاص قد يكون مجموعة من الأموال التي يتم رصدها لتحقيق غرض معين كالمؤسسات الخاصة التي تنشأ بتخصيص مالي و لمدة غير معينة للقيام بأعمال ذات طبيعة إنسانية كالرعاية الإجتماعية أو النشاطات الدينية أو العلمية أو الفنية دون قصد الربح.
و يدخل في هذا النوع من الأشخاص المعنوية الخاصة كذلك نظام الوقف الذي أقره المشرع الجزائري مستمدا إياه من الشريعة الإسلامية ، وهو حبس الاموال على أن تكون مملوكة لأحد و جعلها على حكم الملك لله سبحانه وتعالى ، ومن ثم التصدق بريعها على جهة من حهات الخير في الحال أو في المآل ونصت عليى الوقف المادة 213 من ق.أسرة.جزائري.: الوقف حبس المال عن التملك لأي شخص على وجه التأبيد والتصدق.
كما عرفته المادة 3 من قانون الاوقاف و الوقف بانه : " هو حبس العين عن التملك على وجه التأبيد و التصدق بالمنفعة على الفقراء أو على وجه البر و الخير "
و الوقف وفقا لأحكامه القانونية له شخصيته القانونية و كيانه الخاص به كشخص معنوي معترف به، و يتم تسييره من قبل أشخاص طبيعيين يمثلون جهازه الإداري.
اسم المادة: علم الإجرام
الرصيد: 5
المعامل: 5
اهداف التعليم
تهدف المادة إلى إطلاع الطالب على النظريات العلمية التي ناقشت عوامل الجريمة والمناهج المتبعة في البحث في
الظاهرة الاجرامية وصولاً إلى تحديد افضل السبل في معرفة دوافع الجريمة في ضوء المناهج المتبعة
المعارف المسبقة المطلوبة
المعارف المكتسبة خلال مسار الليسانس من خلال مقياسي النظرية العامة للجريمة وقانون الإجراءات الجزائية.
محتوى المادة
المقصود بعلم الإجرام وفروعه
علاقة علم الإجرام بغيره من العلوم الجنائية
نشأة علم الإجرام وتطوره
تفسير الظاهرة الإجرامية أسبابها و دوافعها
شروط الجريمة في علم الإجرام
مدارس علم الإجرام
مناهج البحث في علم الإجرام