دروس مقياس : مدخل الى الأدب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية

الفئة المستهدفة: السنة الثانية

الأستاذ: عمور إبراهيم

المحاضرة الثانية:

اشكالية الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية

       بدأت مرحلة الاستعمار المباشر الذي أشرفت على تنفيذه دول القوّة في القارة الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، في أجزاء واسعة من العالم العربي، عقب قيام الثورة الفرنسية 1789 وقد مثّلت حملة نابليون على مصر فاتحة عصر الاستعمار الغربي للمنطقة العربية، كانت أقطار المغرب العربي -عدا ليبيا- من حصة الإمبراطورية الفرنسية منذ احتلالها للجزائر عام 1830، ثم تونس 1881، فالمغرب 1912م؛ معتبرة أن تلك الدول امتداد طبيعي للدولة الفرنسية على الشواطئ الجنوبية للبحر المتوسط. جاء استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962 ليعلن انتهاء عصر الاستعمار الفرنسي المباشر لدول المغرب العربي بعد أن سبقه استقلال المملكة المغربية 1955 وتونس 1956م.

       رغبت فرنسا في إنشاء جسمٍ يعيد تشكيل إدارتها على المناطق التي خضعت لسلطتها السياسية في الماضي، ولإدراكها جيداً أهمية الثقافة في بناء الثقة بين المجتمعات، فقد أحيت فرنسا المنظمة الفرانكوفونية لتحقيق غايتها المنشودة.أسست المنظمة رسميًا عام 1970، ويتمثل هدفها الاستراتيجي في تفعيل اللغة الفرنسية وتطويرها والترويج لها، وتتكون المنظمة اليوم من 84 دولة منتشرة في قارات العالم كلها.

       تأتي الجزائر في المرتبة الثانية استعمالاً للغة الفرنسية بعد فرنسا، وذلك نتيجة المدة الزمنية الطويلة في ظل الاستعمار الفرنسي التي تجاوزت 130 عاماً؛ وتشارك بصورة منتظمة في قمم المنظمة الدولية للفرانكوفوني (OIF منذ قمة بيروت (لبنان) في2002  بوصفها ضيفاً خاصاً. ويأتي رفض الجزائر الانضمام كعضو أساس في المنظمة، بسبب حساسية الموقف التاريخي .أما في تونس والمملكة المغربية، فتبدو العلاقة مع الثقافة واللغة الفرنسية أقلّ تعقيداً وأكثر هدوءاً؛ وربما يعود ذلك الى أن هذين البلدين لم يعانيا كالجزائر من الاحتلال الفرنسي.

          وكان بعض المتحمسين والمفتونين بالثقافة الفرنسية يقولون بأن الجزائر، أو شمال إفريقيا تستحق أن تكون إحدى "مقاطعات الأدب الفرنسية" ويشير الكاتب المغربي عبد السلام البقالي إلى أن رغبة الفرنسيين هي الإبقاء على جذوة لغتهم مشتعلة في دول المغرب العربي لتحقيق الهيمنة الاقتصادية والسياسية بخلاف باقي الدول الأخرى كأمريكا، «التي تتوصل إلى نشر لغتها عن طريق فرض هيمنتها السياسية والاقتصادية »[1] وقد لاقى الأدباء الذين يكتبون بالفرنسية اهتمامًا خاصًا من طرف الأوساط الثقافية الفرنسية «وكسبوا رعاية حظائر أدبية خاصة، ونالوا مساعدة جماعات عقائدية من الأحرار والتقدميين والشيوعيين وغيره، بل تكفل أمر انطلاقتهم نحو الشهرة أدباء عظام أمثال كامو وسارتر وعمانويل روبلس»[2]،  وخير مثال لذلك كتاب "التل المنسي" الذي أصدره الكاتب الجزائري مولود معمري، وتوجته الأوساط الفرنسية الرسمية.

        اشكالية هذا الأدب المكتوب بالفرنسية يبقى مطروحا بالساحة الثقافية، حول تصنيفه ضمن الأدب المغاربي أو ضمن الأدب الفرنسي، وهناك من النقاد المغاربة من يصنفه ضمن أدب الاستشراق لأنه يلبي حاجة القارئ الغربي، ومن يعتبره أدبًا مزدوج الهوية، ومن يطلق عليه "الأدب المنبوذ" . وعلى الرغم من أن كتّاب عالميين كانوا مزدوجي اللغة كتبوا بلغة غير لغتهم إلا أنه لم تطرح إشكالية الازدواجية اللغوية بنفس الحدة التي طرحت بها في المغرب العربي.

        يقول محمد ديب: « إن هؤلاء النقاد الفرنسيين يسلّطون على الكاتب المغاربي نظرة إقصائية تُمارس التفرقة والعزل، وتفرض عليه دونية لا فكاك ولا مخرج منها.. داعيا الأدباء المغاربيين بمجموعة من الأسئلة الحارقة: «هل من اللائق أن يستمر الواحد منا في بيع حميمية بلاده الدافئة إلى المخيلة الغربية الباردة لفرنسا، التي ما زالت تصنّف الكُتاب المغاربيين في مكانة أقل من مكانة الخادمات البرتغاليات؟. واذا كان الكاتب الفرنسي "ألبير كامي" قد عبر قائلاً: "اللغة الفرنسية هي وطني" فإن الكاتب الجزائري "مالك حداد" عبر في "إنني في حالة منفى داخل اللغة الفرنسية". وبالانتقال إلى أدب المملكة المغربية، سنكتفي برأي الروائي المعروف الطاهر بن جلّون، الذي يعتبر أن اللغة العربية فيها من القداسة والرهبة ما يمنعه من الكتابة بها، ويتفق طرح أغلب أدباء تونس مع الرأي الأخير، ما دفع الروائي التونسي الحبيب السالمي إلى الرد بالقول: "الذين يقولون إن اللغة العربية عاجزة عن التعبير عن هموم العصر أو إنها غير دقيقة فهم لا يعرفون هذه اللغة ويجهلون عبقريتها وقدراتها الهائلة".

        فتعاد إذن قضية الانتماء مرة أخرى للظهور بعدما طرحت في القرون الأولى هجرية، مع أولى محاولات التأسيس لأدب مغربي قديم، بين الذين ينتمون الى الاقليم الجغرافي وبين تلك الابداعات التي قام بها المشارقة الوافدين ممن كانوا يشاركون في الفتوحات، فهاهي القضية تثار مرة أخرى مع الذين ينتجون نصوصا مكتوبة بلغة أخرى غير العربية لكنهم يعشيون في المغرب العربي أو عاشوا فيه فترة من الزمن. فالمستعمر بعد خروجه ترك قضية التعددية اللغوية محل جدل وسط الباحثين حول كون الأدب فرنسي بحكم اللغة التي كتب بها، أم بحكم المحيط الذي عاش فيه الشاعر.

           عموما ظاهرة الكتابة بلغة المستعمر لا تنحصر على بلدان المغرب العربي فقد عرفتها كثير من بلدان اخرى لذا هي" ليست ظاهرة خاصة بالاستعمار الفرنسي وحده فقد وجدت في أغلب البلدان التي احتلتها الدول الأوروبية في القارات الثلاث حيث يوجد اليوم اداب مختلفة كتبت وتكتب في تلك البلدان باللغات الانجليزية والفرنسية والاسبانية والرتغالية والى حد ما باللغة الهولندية أي بلغات الدلو الاستعمارية الاوروبية التقليدية التي بدأت هجماتها على القرارات الأخرى بعد اكتشاف امريكا ورأس الرجاء الصالح"[3]. وبدأت على يد مجموعة من الأدباء ممن حاولوا ان يخلقوا نوعا من التناغم والانسجام بين الاهالي المحليين والمستوطنين، بعيدا عن الهوية والأعراق، مثل كتابات لوي لوكوك وستيفان راوول.

 

 

 

 

 

 



[1] - لويس جان كافي، حرب اللغات والسياسات اللغوية ترجمة: حسن حمزة- الطبعة الأولى – المنظمة العربية للترجمة – بيروت- 2008.

[2]  حسن المنيعي- أدب المغرب العربي المكتوب بالفرنسية، مجلة دعوة الحق- عدد 100 – المغرب.

[3] - أحمد منور الأدب الجزائري باللسان الفرنسي نشأته وتطوره وقضاياه، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط1، 2007، ص133/134.