مفهوم الأسلوب والأسلوبية ومجالها
المحاضرة الأولى:
المحاضرة الأولى: مفهوم الأسلوب والأسلوبية ومجالها
مازالت الدراسات العربية في مجال الأسلوب والأسلوبية في طور التأسيس، ولمّا تكتمل أركانها، ولم تظهر حدودها عندنا بشكل جليّ،اللهمّ تلك الدراسات التي ظهرت في كتابات أحمد الشايب وأمين الخولي،وسعد مصلوح،وصلاح فضل،وعبد السلام المسدي، وأما في الغرب فقد ازدهر هذا العلم ونال رواجا كبيرا في الدراسات الحديثة.وفي البداية لابد من تحديد مصطلح الأسلوب والأسلوبية:
الأسلوب:Style لغة هو السطر من النخيل، أو الطريق الممتّد،أو المنهج المتبع ، أو المثال أو النموذج.اصطلاحا طريقة خاصة للمتكلم في استخدام اللغة،أو سمة ما، أو طريقة ما تحدد هوية الممارسة الغوية في سياق معين، أو اختيار مجموعة من البدائل والإمكانات.وبتعبير آخر هو الفنّ المعتمد على التنظيم والتناسق وطريقة من النظم وضرب فيه،قابل للاحتذاء أو الرواية،ويتنوع من مستخدم لآخر، ولذا قيل الأسلوب إنسان، وقال بوفون (Buffon)" الأسلوب هو الإنسان نفسه".
ومن ذلك نقول: أسلوب الجاحظ وأسلوب ابن المقفع،وأسلوب ابن العماد، وأسلوب ابن خلدون، وأسلوب طه حسين،وأسلوب الطهطاوي،وأسلوب الحاج صالح،وأسلوب عبد المالك مرتاض...وفي كل حقبة زمنية أساليب خاصة تستعملها،فلا يلبث بعضها أن يشيع.ولو أمعنا النظر في ذلك لوجدنا عددا وافرا ؛منها ما ظهر منذ السبعينات والثمانينيات مثل:أسلوب التعذيب،أي الطريقة.أسلوب المراوغة،أسلوب الفنّ النبيل،أسلوب التملص...ومنها ما يزال يظهر يوميا، وهذا بفضل التمدرس والوعي الذي تنشره وسائل الميديا.ويتنوع حسب المعطيات التي تحيط به،فلكل عصر ذوق ومقاييس وأسلوب.
الأسلوبية:Stylistique العلم الذي يمكن دارس الأدب من جمع معطيات محدّدة ودقيقة عن الاختيارات الفردية في ممارسته اللغوية،أي ممارسة أدبية للأسلوب،باعتبار أن اللغة خلق إنساني ونتاج للروح، ونظام ورموز تحمل أفكار الفرد وأفكار الجماعة، وكل هذا يسهم في إعطاء قيمة تحليلية للأسلوب.إذن هي إسهام لساني في دراسة الأدب، بمعالجة النصوص كوقائع، لغوية" الدراسة اللغوية للأسلوب الذي يُمكن أن يعزي لأي ممارسة لغوية مكتوبة أو منطوقة.ومع ذلك فان هذه الدراسة غالبا ما تُعنى بالممارسات الأدبية المكتوبة أي بالنصوص التي يقرّ المجتمع بأدبيتها،ويبوئها مكانتها الفنية الجديرة بها، مع أنها يمكن أن تجد نفسها في موضع تقديم خدماتها في مرافق مختلفة من مرافق المجتمع الحديث"1.وعلى العموم فان الأسلوبيات: هي العلم الذي يمكن دراسة الأدب من جمع معطيات محدّدة عن اختيارات فردية لأديب ما في الممارسة اللغوية.ومن وراء هذا تتداخل بعض العوامل تحُول دون ضبط القواسم المشتركة والقواسم المختلفة بين الأسلوب والأسلوبية، وهذا توضيح في ذلك: الجدول ( بين الأسلوب والأسلوبية)
الأسلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوب | الأسلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوبيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة |
دراسة لغوية للبلاغة | دراسة لغوية للأسلوب |
فـــــــــــــــــــــــــــــردي | مغرقة في الذاتية |
طاقة كامنة في اللغة | طاقة كامنة في المحلّل |
غير قابل للقياس أحيانا | غير قابلة للقياس مطلقا |
نموذج / قالب | طريقة /منهجية |
أسبق من الأسلوبية | تالية على الأسلوب |
منتوج دلالات الألفاظ مع معاني النحو | منتوج ذاتي متغير لمحلّل النص |
انزياح لساني جمالي | انزياح مزاجي ضمن وسط وثقافة |
لا يفرق بين اللغة والكلام | تفرّق بين اللغة والكلام /الرمز والرسالة واللغة والمقالة. |
يظهر الأسلوب في النطق وفي المكتوب | تهتم أكثر بالمكتوب |
يهتّم بالقيم التعليمية | أبعدت القيم التعليمية |
اهتم بدراسة الألفاظ وقواعدها | اهتمت باستعمال تلك الألفاظ |
يتحكّم إلى قواعد معيارية | لا تتحكّم إلى قواعد معيارية |
لا يوجد تعاطف بين المحلل والنص | تعاطف ضروري بين المحلل النص |
مفهوم الأسلوب بلاغي قديم | مفهوم الأسلوبية ينوي حداثي |
يتدخل الجانب اللغوي وموقف المؤلف والجانب الجمالي | تستمد معاييرها من العلم الذي تنتمي إليه |
1-الأسلوب والأسلوبية في الدراسات الحديثة:في هذه النقطة لا يمكن إغفال الدراسات اللسانية التي قامت في الغرب، وجسّدت الدراسات الأسلوبية كتنظيم متميّز مستخلص من اللغة، وإذا كان لجهود اللسانيين الذين درسوا اللغة لذاتها، بدءًا من Charles Bally وبحوث William Jones و Frans BoppوMax Muller أثر محمود في تكوين الانعطاف الحقيقي في تطور اللسانيات، ومن ثمّ الأسلوبيات. فلقد كانت محاضرات De Saussure والتي تأسست عليها أبحاث شارلي وغيرهم من اللسانيين المعاصرين مادة البحث في مختلف الممارسات اللغوية، وكذا النصوص الأدبية.فاهتمت تلك الدراسات بدراسة وظائف اللغة، وكانت الوظيفة الجمالية التي تجعل الكلام إنشاء أدبيًا،لبّا في تحقيق هذه الوظيفة من خلال مجموع الاختيارات التي يقوم بها المبدع واستخدامه المميّز لها.فالأسلوب يوجد طبقٍا لذلك ونتيجة لانتقاء المؤلف من بين إمكانيات اللغة الاختيارية التي تقوم بينها علاقة التبادل ممّا يجعل من الميسور ملاحظة الفوارق الأسلوبية في نصوص تنتمي لنفس اللغة عندما تؤدي جميعها المحتوى الإعلامي ذاته بأشكال مختلفة، ويمكن تأسيسا على ذلك،أن تدخل نظرية التوصيل في هذا التصوّر الأسلوبي على اعتبار أن النظام اللغوي يتيح للمتكلم فرصا عديدة وإمكانيات مختلفة للتعبير عن واقع محدد مع ملاحظة مدى ما يتمتع به الكاتب من حرية حقيقية في اختياراته، إذ إن عمليات الاختيار محكومة بالظروف المخلفة التي يمكن تفسيرها بدورها على أنها اختيار يتّم على مستوى أعلى"2 .وهنا بيت القصيد؛ حيث وضع اليد على ما يمكن وراء الأدبية، بتفسير جانب من جوانب الأدب. ومن خلال هذا أودّ التركيز على هذه النقطة، فكيف كانت نظرة الأسلوبية للغة ومتعلّقاتها؟
1-اللغة:إذا كان سوسير قد اهتّم بالجانب الاجتماعي للغة، فانّ الأسلوبية اهتمت بالجانب الفردي المتغيّر في اللغة،واتّخذتها مادة دراستها مقابل الاستخدام الطوعي والواعي والموّجه نحو علم الجمال، وهي أداة للناقد الأدبي في مقارنته للنّص الأدبي تساعده في وضع يده على ما يمكن وراء أدبيته، من ظواهر تعبير الكلام الحسّاس أو ذي المحتوى العاطفي،ودور اللغة مقصور على تحديد معاني الألفاظ المفردة ، وتحديد القوانين النحوية العامة التي تجعل الكلام ممكنا فقط.
2-منهاج الدراسة:في الحقيقة تعتمد المنهج الآني، وكان ذلك أحد مشكلاتها، فلقد أقام كل من ليوسبيتزر وجان كوهين ورولان بارت ودولاس وفيليولي دراساتهم الأسلوبية على مناهج متعدّدة،وكل ينضح من منبع خاص، لكنّ اللغة أخذت حيّزا هامًّا في أبحاثهم ونظروا إليها على أنها حاملة لأدوات التعيير المختلفة،ولها دلالات متغيرة،فهي ليست سكونية ولا سلوكية رغم أنّها معطى تاريخي، ولكن الأسلوب الذي يتعلق بصاحب الكلام يأخذ حرية في استخدام هذه اللغة،حيث يغيّرها من منحى إلى آخر ضمن آليات الأسلوبية.
3-العلاقات الاستبدالية:اعتمدت الأطر النظرية من خلال أنساق وقسمات لغوية مميّزة فاتّخذت العلاقات الاستبدالية في مقابلة العلاقات السياقية،وربطت دراسة الأسلوب بالبحث في أنماط التنويعات اللغوية العامة،بهدف البحث عن تلك العلاقات المتبادلة والمدلولات عبر التحليل للعلاقة بين العناصر.وهنا تظهر خصوصية في كيفية خلق العلاقة بين المعنى في النفس واللفظ، وطريقة الأسلوب بوصفه يربط القيمة الأسلوبية بالكلمات نفسها وبعلاقاتها السياقية،ويبقى قائما على مفهوم الانزياح غير أن المعيار يستبدل بالسياق Contexteوعن طريقها يمكن استخراج القسمات اللغوية الخاصة بالمؤلف.
4-النظم:إن النظم محصلة العلاقات السياقية التي تتغير بتغيّر الظروف المحيطة بالمتكلم، بالتركيز على المضمون الشعوري لأفعال التعبير، ومراعاة المرونة للعلاقة بين الشكل والمعنى،بتفاعل العلامات اللغوية مع معاني النحو، وهذا يعني نفي وجود علاقة الطبع اللغوي والقدرة على النظم.ولذا نجد النظم لا يرتبط بمعرفة المتكلم للغة وبمواصفاتها،بل بالمقدرة الخاصة للمتكلم على صياغة اللغة.وتتدخل الكتابة باعتبارها إشارة تشمل جميع الأشكال الأدبية بأجناسها واتجاهاتها، وهي قيمة في لغة النظم.
5-إدخال الإحصائيات:التجأ الأسلوبيون إلى إحصاء المفردات وتكرار كلمة ما في النصوص، وعلى طريقها يحددون عدد الظواهر الناتجة عن تحديدات الصدفة، كما يستعملونها في تحديد وتصنيف أدوات التعبير المستخدمة من قبل الكاتب. ولدراسة الأدلة اللغوية.
ومن الأسلوبية خرج التحليل النّصي الذي بدأه ايتيان Etienne)) سنة 1933م، وطبّق على نصوص قصيرة.كما نجد الأسلوبية البنوية عند ريفاتير ( Riffatere) تحظى بالوصف اللغوي لنص ما،وإيجاد معايير خاصة من وقائع اللغة المكتوبة لإبراز المميز منها، واعتماد نظرية التواصل التي استوحاها من الوصف اللغوي،ويكون الأسلوب الوسيلة التي يراقب من خلالها منتج رسالة، مع إنعاش يقظة المتلقي بواسطة تأثيرات غير متوقّعة، وبهذا شكّلت هذه الأعمال فرصة لتعريف الأسلوب كانزياح Ecart بالقياس إلى معيار والى لغة مشتركة والى تعبير حيادي Neutre أو لغة الكاتب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-الموسوعة العربية.دمشق: 2000،المجلد2،ص367.
2-صلاح فضل،علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته،ط1،دار الآفاق الجديدة، بيروت:م،1985،ص102.
3-صالح بلعيد،نظرية النظم،دار هومة،بوزريعة، الجزائر،2004،ص156 الى161.