مقرر علم العقاب لطلاب السنة الثانية ماستر جنائي حقوق


مقرر قانون الوقاية من الفساد ومكافحته لطلاب السنة الثانية ماستر جنائي حقوق


وزارة التعـــليـــم العالــــي والبحـــــث العلمــــــي

المركز الجامعي الشهيد سي الحواس بريكة

معهد الحقوق و العلوم الإقتصادية

                                                                                         قســـم الحقـــــــوق

 

 

 

مقياس قانون الوقاية من الفساد ومكافحته

 محاضرات موجهة لطلبة  الماستر 2 تخصص قانون جنائي و علوم جنائية

السداسي الثالث

 

 

الدكتور/ بن الشيخ نور الدين

أستاذ محاضر أ

 

 

 

                                                   

       

 

السنة الجامعية 22/21

 

 

 

محاضرات موجهة لطلبة  الماستر 2 تخصص قانون جنائي و علوم جنائية

المحاضرة الأولـــــــــــــــــــــــــــى:

مقرر المقياس :

المحور الأول / الإطار المفاهيمي للفساد

     - ماهية قانون الفساد

-         تعريف الفساد

-         أسباب الفساد

-         أنواعه

المحور الثاني/ التدابير الوقائية في القطاع العام والخاص

-         الكفاءة و النزاهة في التوظيف

-         التصريح بالممتلكات 

-         مدونات قواعد سلوك الموظفين العموميين                                                                                            

-         الشفافية في إبرام الصفقات العمومية

-         الشفافية في تسيير الأموال العمومية

-         الشفافية في التعامل مع الجمهور

-         التدابير المتعلقة بسلك القضاة

-         تعزيز الشفافية والتدقيق الداخلي لحسابات القطاع الخاص

-         إحترام معايير المخاسبة المعمول بها

-         مشاركة المجتمع المدني

-         تدابير منع تبييض الأموال

المحور الثالث/ الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته

-         النظام القانوني

-         إستقلالية الهيئة

-         مهامها

-         صلاحياتها

-         علاقتها بالسلطة القضائية

 

المحور الرابع/ التجريم و العقاب وأساليب التحري

   1 / التجريم والعقاب   

     - جريمة الرشوة

-         الامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية

-         جريمة الإختلاس

-         جريمة الغدر

-         جريمة الإعفاء غير القانوني في الضريبة والرسم

-         جريمة إستغلال النفوذ

-         جريمة إساءة إستغلال الوظيفة

-         جريمة تعارض المصالح

-         جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية

-         جريمة عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات

-         جريمة الإثراء غير المشروع

-         جريمة تلقي الهدايا

-         جريمة التمويل الخفي للأحزاب

-         جريمة الرشوة في القطاع الخاص

-         جريمة إختلاس الأموال في القطاع الخاص

-         جريمة تبييض العائدات الإجرامية

-         جريمة الإخفاء

-         جريمة إعاقة السير الحسن للعدالة

-         حماية الشهود والخبراء والمبلغين والضحايا

-         البلاغ الكيدي

-         عدم الإبلاغ عن الجرائم

2- أساليب التحري الخاصة

المحورالخامس/ دور المنظمات الدولية في التصدي لهذه الظاهرة

-         اتفاقية الأمم المتحدة

-         منظمة الشفافية الدولية

 

 

المحاضـــــــــــــــــرة الثانيـــــــــــــــة:

المحور الأول / الإطار المفاهيمي للفســـــــــــــاد

أولا/مبررات و غايات قانون مكافحة الفســــــاد

   من الأسباب الجدية لتشريع قانون 06-01 رغم وجود ظاهرة الفساد من قبل، هو توقيع الجزائر على اتفاقية الأمم المتحدة للوقاية من الفساد ومكافحته المبرمة في21/10/2003  ، مما حتم على المشرع الجزائري أن يوافق القوانين الداخلية بهذه الإتفاقية الدولية باعتبارها تسمو على الدستور و على باقي التشريعات العادية ، فحينما وقعت الجزائرسنة 2004 أضحى من الواجب أن تقر هذا القانون وفقا للضوابط الواردة بالإتفاقية .

 و لكن لماذا وقعت الجزائر أصلا على هذه الإتفاقية ؟ هل لحاجتها لهذا التشريع ؟ فإذا كان الأمر كذلك فهي دولة سيادية بمقدورها أن تشرع كما تشاء، و متى تشاء دون الحاجة لاتفاقية دولية تلزمها للتشريع الحتمي لمثل هذه القوانين :

الجواب عن هذا السؤال يتضح من خلال طبيعة العلاقات الدولية القائمة ، نجد أن كل دولة تسعى نحو إعطاء صورة على أنها دولة ديمقراطية قانونية تؤمن بمبدأ الشرعية و مبدأ مسايرة العولمة التشريعية

   كما أن المجتمع الجزائري بتراكمات ضروف معينة أضحى مجتمعا إتكاليا، و أضحت مظاهر الفساد ظاهرة للعيان سواء تعلق الأمر بالفساد الأداري أو الفساد المالي أو الفساد الأخلاقي، مما حتم على السلطة التشريعية التدخل وفقا لسياسة جنائية خاصة وذات امتداد دولي للوقاية من هذا الفساد ومكافحته .

وقد حصر المشرع الجزائري جرائم الفساد في جرائم معينة ،وحدد الأحكام و الضوابط و الشروط الخاصة بها ،فأعطاها أهمية أكثر من غيرها من الجرائم ، وكيف كل جرائم الفساد كجنحة وغلظ  في عقوبتهاو ذلك لتسريع إجراءات المتابعة والمحاكمة التي يمتاز بها قسم الجنح مما يسهل التصدي لهذه الظاهرة الإجرامية. 

 

         

                                                                                        

ثانيا/ماهية قانون الوقاية من الفساد و مكافحته:

في الأصل نجد أن هذا القانون تم تشريعه في ظروف ارتبطت بحدث دولي مهم كما سبق ذكره، يتعلق بالاتفاقية التي أبرمتها هيئة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في 2003/10/21 ،و التي صادقت عليها الدولة الجزئرية بموجب المرسوم الرئاسي رقم 128/04 المؤرخ في 2004/04/19 مما رتب من باب الوجوب أن تقوم السلطة التشريعية بإصدار قانون يتلاءم مع الاتفاقية المصادق عليها ،فصدرهذا القانون رقم 01/06 في 2006/02/20 و الذي هومعدل و متمم.

و هذا القانون من حيث محتواه يتطابق مع محتوى و منهج اتفاقية الأمم المتحدة ، فلم يعرف الفساد بل حدد صوره و مظاهره في النطاق التجريمي للوقائع و أوردها في الباب الرابع منه ،.

1- محاور إتفاقية هيئة الأمم المتحدة للوقاية من الفساد و مكافحته           

تتضمن هذه الإتفاقية 71 مادة موزعة على 08 فصول هي :

الفصل الأول :

أحكام عامة من لمادة 01 إلى المادة 04

الفصل الثاني :

التدابير الوقائية من المادة 05 إلى المادة 14

الفصل الثالث :

التجريم و إنفاذ القانون من المادة 15 إلى المادة 42

الفصل الرابع :

التعاون الدولي من المادة 43 إلى المادة 50

الفصل الخامس :

إسترداد الموجودات ن المادة 51 إلى المادة 59

الفصل السادس :

المساعدة التقنية و تبادل المعلومات من المادة 60 إلى المادة 62

 

الفصل السابع :

آليات التنفيذ من المادة 63 إلى المادة 64

الفصل الثامن :

أحكام ختامية من المادة 65 إلى المادة 71

2- محاور قانون الوقاية من الفساد و مكافحته رقم 06/01 المعدل و المتمم الصادر في 20 فيفري2006                                                                      

الباب الأول :

أحكام عامة من المادة 01 إلى المادة 04

الباب الثاني :

التدابير الوقاية من المادة 05 إلى المادة 16

الباب الثالث :

الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته من المادة 17 إلى المادة 24

الباب الرابع :

 التجريم والعقوبات واساليب التحري من المادة 25 إلى المادة 56

الباب الخامس :

التعاون الدولي من المادة و إسترداد الموجودات من المادة 57 إلى المادة 70

الباب السادس :

أحكام مختلفة وختامية المادة 71.

 

 

 

 

3- تعريف الفساد

المشرع لما تكلم عن الفساد لم يعرفه بنص القانون ،مما يجعل تعريفه يتداول بين فقهاء القانون و العلوم الإنسانية الأخرى ،الذين عرفوه  على أنه ذلك :"العمل غير المشروع المخالف للقانون بقصد الإضرار بمصلحة عامة أو حتى خاصة ، يدخل في نطاقها الشخصي عنصر الموظف" .

4- أنواع الفساد/

يتنوع الفساد و يتشكل في مظاهر عدة ، فهناك الفساد السياسي و الفساد الإجتماعي و الفساد الإقتصادي   والفساد الأخلاقي و الفساد الثقافي و الفساد القضائي و الفساد الإداري و الفساد المالي ، و الذي أدى إلى انتشار الفساد وكان الوسيلة لشيوعه حسب إعتقادنا هو الفساد المالي و يليه الفساد الإداري .

أ-الفساد المالي : يقصد به كل ما يتعلق بالمخالفات والتجاوزات لقواعد و أحكام  المنظومة المالية التي تسير بها أجهزة الدولة و مؤسساتها المالية ،و كل ما يعيق عمل الهيئات المختصة بالرقابة المالية مما يتيح و يسهل ارتكاب الجريمة كتبييض الأموال و التهرب الضريبي و تزوير النقود.

ب-الفساد الإداري: يتعلق الأمر بالإدارة و الوظيفة العمومية ، فكل تجاوز صادر عن الموظف العمومي خلال قيامه بمهامه المنصوص عليها قانونا يعتبر في نظر القانون فاسدا إداريا ، و سوف نركز على هذا النوع باعتباره مرتبطا بنفوذ الموظف العمومي.

5- أسباب الفساد/

أ-أسباب الفساد الإداري: له عدة أسباب منها :

- سوء التنظيم الإداري داخل المرافق العمومية ، مع التسيب و التقليل من شأن طبيعة الوظيفة المنوطة بصاحبها ، دون الخضوع للظابطة الإدارية التي تؤسس على مبدأ الرئيس و المرؤوس ، و كذلك الجهل بصلاحيات الموظف و مهامه و أهداف وجوده داخل المرفق العمومي .

- كثرة عدد الموظفين داخل المصالح الإدارية مما كرس ما يسمى بالبطالة المقنعة ، فحينما نجد أن المرفق العمومي و المؤسسات المالية تعاني من الزيادة الكبيرة في عدد الموظفين دون وجود نشاط معين يقومون به ،مما أدى إلى تداخل الصلاحيات فيما بينهم و عدم ضبط المسؤوليات فلجأ بعضهم إلى تقديم الخدمة بمقابل غير مستحق.

- تعقد الإجراءات الإدارية التي تشترطها المرافق العمومية، مما ولد ما يسمى بالبيروقراطية الإدارية  فأصبحت كل المسائل البسيطة إداريا تتطلب لإستصدارها و إتمام معاملاتها الكثير من الأوراق الرسمية ، مع تباعد الإدارات العمومية فيما بينها مما حتم على البعض من الأشخاص يلجأون إلي أساليب غير مشروعة لقضاء مصالحهم.

ب-الأسباب القانونية و القضائية للفساد الإداري :

حينما درسنا مبررات التشريع وجدنا أن النصوص القانونية يتم تشريعها لتحقيق مصلحة ما على أن تكون عامة ومجردة ، و يقوم بتنفيذها الجهاز القضائي الذي يسعى لتحقيق العدالة وحماية الأشخاص من تعسف الإدارة أو الأشخاص ، لكن أحيانا نجد أن النظام القانوني و الجهاز الإداري القضائي قد يكون سببا لشيوع الفساد الإداري للأسباب التالية :

- كثرة التشريعات المتعلقة بسير الإدارة العامة: بمعنى أن هناك الكثير من التشريعات و خاصة الفرعية منها التي تصدر عن الجهة المختصة بشكل مسرف دون تحقيق غايتها لأنها تصاغ صياغة غامضة و أحيانا تتعارض حتى مع القوانين الأسمى منها، فيتم تعديلها مرة أخرى و في وقت قصير من تاريخ نفاذها مما يجعلها عاجزة عن تحقيق الغاية من تشريعها.

-  عدم تنفيذ القانون: بعض الإدارات العامة و هيئاتها رغم وجودية أحكام و ظوابط تستند لنص قانوني، إلا أنها تمتنع عمدا عن تطبيقها لأسباب تتعلق بمصالح جد خاصة، و بذلك تضيع حقوق الناس.

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الثالثــــــــــــــــة:

 المحور الثاني/  *التدابير الوقائية لجرائم الفساد في ضوء قانون 01/06 المعدل والمتمم

لقد عنون المشرع الجزائري القانون برمته على أساس قانون الوقاية من الفساد و مكافحته و ذلك مطابقة مع اتفاقية الأمم التحدة لمكافحة الفساد .

و جاءت التدابير الوقائية قبل التدابير الردعية المرتبطة بالجريمة و العقاب نظرا لإرتباط هذه التدابير بتلك الأسباب التي ذكرناها سابقا المؤدية إلى نشوء ظاهرة الفساد ،فالتدابير الوقائية هي في الأصل مجموعة من الإجراءات و الوسائل المنصوص عليها قانونا لتجنب وقوع الجريمة ، فإذا ما وقعت الجريمة حينئذ ندخل في نطاق الجزائية و إقرار العقوبات.

و هذه التدابير أوردها المشرع في باب الثاني من القانون و جاءت بعنوان التدابير الوقائية في القطاع العام ثم التدابير الوقائية في القطاع الخاص .

أولا : التدابير الوقائية في القطاع العام :

لقد أعطى المشرع الجزائري أهمية كبيرة للقطاع العام لإرتباطه بالمصلحة العامة للدولة و هيئاتها ،فخصه بمجموعة من التدابير الخاصة بالتوظيف و بالصفقات العمومية و بالقضاء ،و التي يمكن تحليلها كما يأتي:

1.    في مجال التوظيف في القطاع العام :

 لقد نصت المادة 3 من القانون أعلاه وجوبية مراعاة بعض الضوابط في مجال التوظيف في القطاع العام ، و حتى في مجال المتابعة المستمرة لأعمال و نشاط الموظف العمومي ،فنص المشرع على احترام المعايير الموضوعية مثل الجدارة و الكفاءة و المؤهلات العلمية لإختيار الموظف ،مع الأخذ بمبادىْ النجاعة و القدرة على التسيير ، على أن تكون المناصب المالية المطلوبة معلنا عنها للجمهور بكل شفافية .

كما أوجب المشرع بعضا من الشروط الخاصة حتى يتمكن الموظف من تولي منصبا يتصف بأنه أكثر عرضة للفساد ،  كالنزاهة و الخلق الحسن ،وعدم ارتكاب لأي جنحة أو جناية تتعلق بالفساد أو بالشرف مع خضوعه لإختبارات انتقائية ، فإذا تم توظيفه يراعى الجانب المالي الذي يخصص له كأجر بحيث يكون ملائما و يفضي عليه حماية خاصة من الفساد، و يتابع هذا الموظف بتكوين مستمر وفقا لبرامج تعليمية تعطيه القدرة على مواكبة كل المستجدات المرتبطة بوظيفته و تجعله أهلا لأدائها بالشكل الصحيح و السليم.

2- التصريح بالممتلكات:

 لقد قيد المشرع الجزائري في هذا الشأن بعضا من الوظائف بوجوبية التصريح بالممتلكات ،فنصت المادة 4 من ذات القانون على ذلك و ألزمت الموظف العمومي بها ،بحيث يقوم بإكتتاب تصريح بممتلكاته خلال الشهر الموالي لتاريخ تنصيبه أو لبداية عهدته الانتخابية ،مع تجديد هذا التصريح حينما تكون هناك زيادة مالية معتبرة في ذمته بذات النموذج الخاص بالتصريح بالممتلكات،و يجب عند نهاية الوظيفة أو العهدة الإنتخابية أن يصرح كذلك بممتلكاته.

  - محتوى التصريح بالممتلكات:

نصت المادة 5 من ذات القانون على أن هذا التصريح يحتوي في مضمونه على جرد لكل الممتلكات الداخلة في الذمة المالية للمصرح ،وحددت الامتداد من حيث نطاقها الشخصي حتى لأولاده القصر في الجزائر أو خارج الجزائر ،و تشتمل على الأملاك العقارية و المنقولة، و يتم تحريرها طبقا للنموذج المحدد عن طريق التنظيم يملأ من قبل المصرح و حسب الكيفيات التالية .

    كيفيات التصريح بالممتلكات:

نصت عليها المادة 6 من ذات القانون ،وحددت الجهات المختصة التي تتكفل بهذه التصريحات فالتصريح بالممتلكات الخاصة برئيس الجمهورية و أعضاء البرلمان بغرفتيه و رئيس المجلس الدستوري و أعضائه و الوزير الأول و أعضاء الحكومة و رئيس مجلس المحاسبة و محافظ بنك الجزائر و السفراء و القناصلة و الولاة ،يكون أمام الرئيس الأول للمحكمة العليا ، و يتم نشره في الجريدة الرسمية خلال الشهرين المواليين لتاريخ انتخابهم أو تاريخ استلام مهامهم.

أما الرؤساء و أعضاء المجالس الشعبية المحلية المنتخبة فيتم التصريح أمام الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته ، و يتم نشره عن طريق التعليق في لوح الإعلانات بمقر البلدية أو الولاية و ذلك خلال شهر من إنتخابهم.

أما القضاة فيصرحون بممتلكاتهم أمام الرئيس الأول للمحكمة العليا ،مثلهم مثل فئة الأولى التي ذكرناها.

أما باقي موظفي القطاع العام فيخضعون في تصريحاتهم للتنظيم المتعلق بقطاعاتهم.

3- مدونات قواعد سلوك الموظفين العموميين:

نصت عليها المادة 7 و 8 من ذات القانون حيث أكد المشرع على وضع مدونات و قواعد سلوكية تتحدد بموجبها الضوابط و الأطر التي يجب على الموظف العمومي احترامها و عدم خرقها ، مما يشجع على النزاهة و الأمانة و روح المسؤولية بين الموظفين و المنتخبين ، و هذا يؤدي بدوره إلى جعل طبيعة العمل تتميز بالجدية و الموضوعية و القبول.

   وعلى هذا الأساس نجد من أمثلة هذه المدونات مثلا النظام الداخلي للجامعة ، ميثاق الطالب ، ميثاق الأستاذ، فهي تتميز بمخاطبة الضمير الأخلاقي للفرد و تنبيهه في ذات الوقت للقيام بمهامه الوظيفية .

وقد أوردت المادة 8 من باب الوجوب على الموظف العمومي إخبار سلطته الرئاسية في أي شأن يكون مسؤولا عنه و يتعارض مع مصالحه الشخصية ، أو قد يتولد عنه شبهة الفساد أو التحيز.

4- التدابير المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية:

أحاط المشرع الجزائري الصفقات العمومية رغم وجودية قانونها الخاص بها بمجموعة من التدابير الوقائية بنص المادة 9 من ذات القانون ، و تتعلق بقواعد الشفافية و المنافسة الشريفة مع احترام المعايير الموضوعية و خاصة مبدأ علنية المعلومات المتعلقة بإجراءات إبرام الصفقات العمومية،و الإهتمام أكثر بالإعداد المسبق لشروط المشاركة و الإنتقاء و كيفية ممارسة الحق في الطعن في حالة عدم احترام قواعد إبرام الصفقات العمومية ،و عموما فإن المشرع حاول تدعيم قانون الصفقات العمومية بإعادة التأكيد عليها في هذا القانون ، بل أنه جرم الامتيازات الغير مبررة في مجال الصفقات العمومية و كذا الرشوة في نطاقها  وعاقب عليها بعقوبات مغلظة.

5- التدابير المتعلقة بتسيير الأموال العمومية :

جاءت المادة 10 من ذات القانون ببعض التدابير اللازمة لتسيير الأموال العمومية و خاصة في إعداد ميزانية الدولة و تنفيذها ، فأضحت كل المؤسسات تخضع لنظام المحاسبة تحت رقابة ذوي الاختصاص من محافظي الحسابات الذين يعدون التقرير الأدبي و المالي لهذه المؤسسات المالية الاقتصادية عند نهاية السنة المالية.

   أما الإدارات العمومية فتخضع لمجالس محاسبة خاصة بها، و هذا ما أكدته المادة 11 من وجوبية إضفاء الشفافية في التعامل مع الجمهور باعتماد إجراءات سهلة بسيطة يمكن للأفراد من خلالها الحصول على كل المعلومات دون أي تعقيد أو بيروقراطية ، مع تبسيط الإجراءات الإدارية و القيام بتحسيس المجتمع على ثقافة الشكوى الكتابية مع الرد عليها ، و كذلك حينما تتخذ الإدارة العمومية أمرا أو قرارا يخالف مصلحة المواطن يجب أن يكون قرارها مسببا مع التنويه بحق الطعن فيه و الجهة المختصة لدراسة هذه الطعون.

  6.التدابير المتعلقة بسلك القضاء: نصت عليها المادة 12 و ركزت على وجوبية الإلتزام بالقانون المتعلق بمهنة القضاة و الإلتوام بالتنظيمات الداخلية لهذا السلك المهم في إرساء العدالة بين أفراد المجتمع.

7- تدابيرمشاركة المجتمع المدني:

    ومن ضمن التدابير التي نضمها المشرع الجزائري ما نصت عليه المادة 15 بتشجيع مشاركة المجتمع المدني في محاربة ظاهرة الفساد ،و ذلك بتعزيز مبدأ المشاركة في تسيير الشؤون العمومية و كذلك في إعداد البرامج التعليمية و التربوية و التحسيسية، مع تمكين وسائل الإعلام و الجمهور من الحصول على المعلومات المتعلقة بالفساد دون المساس بحرمة الحياة الخاصة و الأمن الوطني و النظام العام و حياد القضاء.

8- تدابير منع تبييض الأموال:

 كما نصت المادة 16 على الماصرف و المؤسسات المالية غير المصرفية بما في ذلك الأشخاص لطبيعية أو الإعتبارية الذين يقدمون خدمات نظامية في مجال تحويل الأموال، أن تخضع لنظام الرقابة الداخلية الذي من شأنه كشف كل أشكال تبييض الأموال و منعها و التصدي له

  ثانيا: التدابير الخاصة بالقطاع الخاص:

نصت المادة 13 على إتخاذ مجموعة من التدابير لأجل منع القطاع الخاص من الوقوع في الفساد أو الإشتراك فيه وقد نص المشرع على أنه عند الإقتضاء قد توقع جزاءات تأديبية وحتى ردعية في حالة تجاوز القوانين في هذا القطاع ،و حدد هذه التدابير فيما يلي :

1-   تعزيز التعاون بين الهيئات التي تقوم بالكشف و القمع مع مؤسسات القطاع الخاص المعنية.

2-   وضع مدونات تحدد قواعد السلوك في إطار القطاع الخاص حتى يتسنى لهذا الأخبر العمل في إيطارالنزاهة و الشفافية.

3-   الوقاية من سوء استعمال السلطة و عدم سلامة الإجراءات في تنظيم القطاع الخاص.

4-   وجوبية التدقيق الداخلي للحسابات بحيث تساهم في الوقاية من الفساد و تمنع مسك حسابات خارج

الدفاتر الرسمية للمؤسسة ،أو إجراء معاملات دون قيدها في الدفاتر الخاصة بها ،أو تسجيل نفقات وهمية أو قيد إلتزامات مالية دون توضيح غرضها بشكل كاف، أو استخدام مستندات مزيفة أو الإتلاف العمدي لمستندات المحاسبة.

 

    

 

 

 

 

 

 

 

المحاضــــــــــــــرة الرابعــــــــــــــــــة :

المبحث الثالث/  الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته

لقد نص عليها المشرع الجزائري بموجب المادة 17 من قانون 06-01، وتم إنشاؤها بموجب المرسوم الرئاسي 413/06 الصادرفي 22 نوفمبر 2006 (1)، وكرسها في التعديل الدستوري لسنة 2016 حيث نصت المادة 202/1 المعدل والمتم على: "تؤسس هيئة وطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، وهي سلطة إدارية مستقلة ....".

المطلب الأول/ تشكيلة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته

 نصت المادة 5 من المرسوم الرئاسي رقم 06-413 على تشكيلة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته في الفصل الثاني تحت عنوان "التشكيلة" "تتشكل الهيئة من رئيس وستة (6) أعضاء يعينون بموجب مرسوم رئاسي لمدة خمس (5) سنوات قابلة للتجديد مرة (1) واحدة، وتبقى مهامهم حسب الأشكال نفسها"،و تتكون من حيث هيكلها التنظيمي من مجلس اليقظة و التقييم ، مديرية الوقاية و التحسيس و مديرية التحاليل و التحقيقات ،

الفرع الأول/رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته

وفقا لنص المادة 5 من المرسوم الرئاسي رقم 06-413 المعدل والمتمم بالمرسوم الرئاسي رقم 12-64 فإن رئيس الهيئة يتم تعيينه بموجب مرسوم رئاسي لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وتنهى مهامه بموجب مرسوم رئاسي،وتناط به مهام إدارية كثيرة تكتسي أهمية خاصة لذلك حددها المشرع بنص المادة 9 من المرسوم الرئاسي رقم 06-413 المعدل والمتمم والتي تتمثل في التالي:

 

1- المرسوم الرئاسي رقم 06-413 مؤرخ في أول ذي القعدة عام 1427 الموافق 22 نوفمبر سنة 2006، يحدد تشكيلة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته وتنظيمها وكيفيات سيرها، ج ر عدد 74 الصادرة بتاريخ 22 نوفمبر سنة 2006، المعدل والمتمم، بالمرسوم الرئاسي رقم 12-64 مؤرخ في 14 ربيع الأول عام 1433 الموافق 7 فبراير سنة 2012، ج ر عدد 08، الصادرة بتاريخ 15 فبراير سنة 2012.

- إعداد برنامج الهيئة،

- تنفيذ التدابير التي تدخل في إطار السياسة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته،

- إدارة أشغال مجلس اليقظة والتقييم،

- السهر على تطبيق برنامج عمل الهيئة والنظام الداخلي،

- إعداد وتنفيذ برامج تكوين إطارات الدولة في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته،

- تمثيل الهيئة لدى السلطات والهيئات الوطنية والدولية،

- كل عمل من أعمال التسيير يرتبط بموضوع الهيئة،

- تحويل الملفات التي تتضمن وقائع بإمكانها أن تشكل مخالفة جزائية إلى وزير العدل، حافظ الأختام قصد تحريك الدعوى العمومية، عند الاقتضاء،

- تمثيل الهيئة أمام القضاء وفي كل أعمال الحياة المدنية،

- ممارسة السلطة السلمية على جميع المستخدمين،

- تطوير التعاون مع هيئات مكافحة الفساد على المستوى الدولي وتبادل المعلومات بمناسبة التحقيقات الجارية.

كما أن له مهام أخرى ذات طابع مالي نصت عليها المادة 21 من المرسوم رقم 06-413 المعدل والمتمم تتعلق بإعداد ميزانية الهيئة باعتباره الآمر بالصرف.

الفرع الثاني/ مجلس اليقظة والتقييم (أعضاء الهيئة)

نصت عليه المادة 5 من المرسوم الرئاسي رقم 06-413 المعدل والمتمم بالمرسوم الرئاسي رقم 12-64 ويتكون من رئيس الهيئة رئيسا وأعضاء الهيئة الستة كأعضاء، يتم تعيينهم وإنهاء مهامهم بموجب مرسوم رئاسي، تمتد عهدتهم لخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط،تجتمع بصفة عادية مرة كل ثلاثة أشهر بناء على دعوة رئيسه،واستثناءا في أي وقت بدعوة من الرئيس كذلك.

وقد حددت المادة 11 من المرسوم الرئاسي رقم 06-413 المعدل والمتمم مجلس اليقضة والتقييم والتي تقتصر على إبداء رأيه في المسائل التالية:

- برنامج عمل الهيئة وشروط وكيفيات تطبيقه،

- مساهمة كل قطاع نشاط في مكافحة الفساد،

- تقارير وآراء وتوصيات الهيئة،

- المسائل التي يعرضها عليه رئيس الهيئة،

- ميزانية الهيئة،

- التقرير السنوي الموجه إلى رئيس الجمهورية الذي يعده رئيس الهيئة،

- تحويل الملفات التي تتضمن وقائع بامكانها أن تشكل مخالفة جزائية إلى وزير العدل، حافظ الأختام،

- الحصيلة السنوية للهيئة.

الفرع الثالث/ مهام الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته

تضطلع هذه الهيئة بجملة من المهام نصت عليها المادة 20 من ذات القانون،أهمها:

1-   تقوم بإقتراح برنامج عمل للوقاية من الفساد.

2-   تقدم توجيهات تتعلق بالوقاية من الفساد لكل شخص أو هيئة عمومية أو خاصة ،و ذلك كإجراء وقائي ضد هذه الجريمة.

3-   تقترح تدابير ذات طابع تشريعي و تنظيمي للوقاية منه.

4-   تساعد القطاعات العامة و الخاصة بإعداد قواعد أخلاقيات المهنة و السلوك السوي،و تعد برامج التوعية و تحسيس المواطنين بمختطر الفساد.

5-   تقيم دوريا تلك الأدوات القانونية و الإجراءات الإدارية المتخذة في الوقاية من الفساد و مكافحته و تنظرفي مدى فعاليتها.

6-   تقوم بجمع الأدلة و تتحرى في الوقائع الخاصة بالفساد من خلال الإستعانة بكافة المصالح و الهيئات المختصة بذلك.

7-   تطور التعاون مع الهيئات الأجنبية المختصة بالفساد و تتبادل المعلومات معها في إطار التحقيقات الجارية ،ولها في ذلك أن تستعين بمحامها.

8-   تتلقى التصريح بالممتلكات من قبل الأعوان العموميين وخاصة على مستوى المجالس المحلية

9- وفي آخر السنة تقوم هذه الهيئة برفع تقريرإلى السيد رئيس الجمهورية يتضمن تقييما للنشاطات التي قامت بها وتحديد العوائق التي أعاقت عملها مع تقديم التوصيات المقترحة.

المطلب الثاني/الطبيعة القانونية للهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته:

تتسم هذه الهيئة بمجموعة من الخصائص التي يمكن إستخلاصها من خلال ما ورد بنص المادة 18/1 من القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم المشار إليه سابقا ، وكذا النص التنظيمي الوارد بالمادة 2 من المرسوم الرئاسي رقم 06-413 فالهيئة تعتبر سلطة إدارية مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، موضوعة لدى رئيس الجمهورية.

الفرع الأول/إعتبار الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته هيئة إدارية مستقلة:

هذه الخاصية نصت عليها المواد المذكورة أعلاه، وأكد عليها الدستور الجزائري لسنة 2016 المعدل والمتمم،نظرا للأهمية التي تكتسيها هذه الهيئة في الوقاية من الفساد ومحاربته،فهي تتميز بالطابع الإداري من حيث التنظيم والتسيير مع الاستقلالية عن كل الكيانات الأخرى التابعة للدولة، ولاتخضع لرقابة السلطة التنفيذية وذلك لأجل تحقيق الغاية من وجودها ،وتتجلى الطبيعة القانونية للهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته بإعتبارها هيئة إدارية من خلال  المهام المكلفة بها التي  تقتضي اتخاذ قرارات إدارية بحتة ومثالها:

- القرارات المتعلقة بالتصريح بالممتلكات.

- القرارات المتضمنة الاستعانة بالنيابة العامة والمتعلقة بالبحث والتحري في كل ما له علاقة بالفساد.

- القرارات المتعلقة بإبرام عقود واتفاقيات مع نظيراتها من الهيئات المكلفة بمكافحة الفساد بقصد التعاون في هذا المجال سواء داخليا أو خارجيا.

- قرارات الهيئة بتحويل الملف إلى الجهة المختصة إذا تبين لها أن الوقائع تشكل جريمة.

ولضمان استقلالية الهيئة نصت المادة 19 من القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم على مجموعة من التدابير الواجب اتخاذها والمتمثلة فيما يلي:

- قيام الأعضاء والموظفين التابعين للهيئة، المؤهلين للاطلاع على معلومات شخصية وعموما على أية معلومات ذات طابع سري، بتأدية اليمين الخاصة بهم قبل استلامهم مهامهم. الذي يكون بالصيغة التالية: " أقسم بالله العلي العظيم أن أقوم بعملي أحسن قيام  و أن أخلص لتأدية مهنتي  و أكتم سرها و أسلك في كل الظروف سلوك شريف"   

-  تزويد الهيئة بالوسائل البشرية والمالية اللازمة لتأدية مهامها.

-ا لتكوين المناسب والعالي المستوى لمستخدميها.

- ضمان أمن وحماية أعضاء وموظفي الهيئة من كل أشكال الضغط أو الترهيب أو التهديد أو الاهانة والشتم أو الاعتداء مهما يكن نوعه، التي قد يتعرضون لها أثناء أو بمناسبة ممارستهم لمهامهم. 

الفرع الثاني/ الشخصية القانونية للهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته:

أقرلها المشرع الجزائري بهذه الشخصية بموجب النصوص القانونية المذكورة أعلاه،مما يجعلها ذات كيان قانوني قائم بذاته له ذمته المالية المستقلة وإستقلاليته الإدارية(1)،  ويتجلى هذا الإستقلال المالي الذي يكتسي أهمية كبيرة في حياد الهيئة ونزاهة أعمالها والحفاظ على مصداقيتها والثقة الممنوحة لها، من خلال نص المادة21 من المرسوم الرئاسي رقم 06-413 المعدل والمتمم،الذي يعطي صلاحية إعداد ميزانية الهيئة السنوية بعد أخذ رأي مجلس اليقضة والتقييم ، كما أن رئيس الهيئة هو الآمر بالصرف للأموال المرصدة لها، وتخضع محاسبتها لقواعد المحاسبة العمومية،مع الرقابة المالية من قبل مراقب مالي يعينه وزير المالية لهذا  الغرض ولرقابة تلك الإعانات المالية التي تتلقاها من قبل الدولة.

(1)- حاحة عبد العالي : الآليات القانونية لمكافحة الفساد الإداري في الجزائر، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2012-2013، ص485-486.

ولكن تبقى هذه الاستقلالية المالية من الناحية الواقعية العملية نسبية وليست مطلقة ،بإعتبار أن المورد المالي للهيئة هو الدولة وتحديدا السلطة التنفيذية التي لها صلاحية الرقابة المالية على تصرفات الهيئة المالية.

الفرع الثالث /أهليةالتقاضي والتعاقد للهيئة:

تتمتع الهيئة بهذا الحق بموجب المادة 9/9 من المرسوم الرئاسي رقم 06-413 المعدل والمتمم التي اقرت ضمن صلاحيات رئيس الهيئة حق  تمثيل الهيئة أمام القضاء بأي مركز قانوني في الخصومة القضائية فالصفة بموجب المادة أعلاه متوفرة فيه،كما أن لرئيس هذه الهيئة حق التعاقد وإبرام العقود مع المؤسسات والهيئات المختصة بمكافحة الفساد الوطنية منها أو الأجنبية وفقا لنص المادة 20/9 من القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم على أن: (تكلف الهيئة ... السهر على تعزيز التنسيق ما بين القطاعات، وعلى التعاون مع هيئات مكافحة الفساد على الصعيدين الوطني والدولي)، و المادة 9/11 من المرسوم الرئاسي رقم 06-413 المعدل والمتمم بالمرسوم الرئاسي رقم 12-64 على أن: (يكلف رئيس الهيئة .... تطوير التعاون مع هيئات مكافحة الفساد على المستوى الدولي وتبادل المعلومات بمناسبة التحقيقات الجارية).

الفرع الرابع /تبعية الهيئة الوطنية للسيد رئيس الجمهورية:

نصت المادة18/1 من القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم على أن: (الهيئة سلطة إدارية مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، توضع لدى رئيس الجمهورية) وهو ما يتوافق مع النص الدستوري الذي أكدعلى هذه التبعية التي تعد ضمانة مهمة لأداء مهامها بكل إستقلالية وحيادية دون تدخل أيا كان في شؤونها ما دامت أنها تستمد قوتها من المركز القانوني لرئيس السلطة التنفيذية دون أن يكون لهذا الأخير حق التدخل في أعمالها.

نصت المادة 22 من ذات القانون،حينما تتوصل الهيئة إلى إكتشاف وقائع ذات وصف جزائي فإنها تخطر السيد وزير العدل و تحيل له الملف، ولهذا الأخير سلطة إخطار السيد النائب العام المختص لتحريك الدعوى العمومية عند الإقتضاء أو عدم إخطاره، دون أن يكون للهيئة أي حق في مناقشة راي الوزير

المحاضـــــــــــــــــرةالخامســـــــــــــــــــــــــة:

    المبحث الرابع/-التجريم والعقوبات

يلاحظ من خلال القانون 01/06 أن المشرع الجزائري قد انتقى مجموعة من الجرائم ووضعها في إطار تجريمي خاص ،على أساس أنها جرائم فساد ،فأحاطها بمجموعة من الخصائص أضفت عليها نوعا من الردع و الشدة نظرا لخطورتها على إقتصاد الدولة و أخلاق المجتمع.

  و نظرا أن جرائم الفساد لا تقوم إلا بوجودية الموظف العمومي كركن افتراضي لها،اقتضى التطرق لمفهومه في حدود ما ورد في القانون 01/ 06 المعدل والمتمم ثم نتطرق لبعض الجرائم المنتقاة .

المطلب الأول- مفهوم الموظف العام :

أورد المشرع في الباب الأول في إطار الأحكام العامة و تحت عنوان مصطلحات و تحديدا المادة 2/ب بقوله: موظف عمومي ، الذي وسع من نطاقه الشخصي إلى فئات أخرى نظرا للمستجدات التي راعها المشرع ارتباطا باتفاقية هيئة الأمم المتحدة المشار إليها سابقا.فمن هو الموظف العمومي وفقا لهذا المفهوم الجديد؟

وفقا لذات القانون،فهو كل شخص يشغل منصبا تشريعيا،تنفيذيا، إداريا،قضائيا،منتخبا أو معينا بصفةدائمة أو مؤقتة ،مدفوع الأجرأو غير مدفوع الأجر.
 و أضاف لذلك :وكل شخص يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر،ويساهم بهذه الصفة في خدمة هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية أو أي مؤسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأسمالها أو أي مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية.

و كل شخص آخر معروف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع و التنظيم المعمول بهما.فمنه يتضح أن الموظف العمومي يشمل 4 فئات:

الفرع الأول/.فئة الموظفين التنفيذيين والإداريين والقضائيين:

أولا- المناصب التنفيذية:

 يدخل في نطاقها منصب رئيس الجمهورية ، رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة.

 

ثانيا- المناصب الإدارية:

تضم فئة الموظفين الدائمين الذين يخضعون للقانون الأساسي العام للوظيفة العامة، الذي يتضمن كل الأعوان الذين يمارسون نشاطهم في المؤسسات والإدارات العمومية، و التي يقصد بها تلك المؤسسات و الإدارات المركزية في الدولة والمصالح غير المركزية التابعة لها  والجماعات الإقليمية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري و المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي و الثقافي والمهني، أي كل مؤسسة يخضع مستخدموها لأحكام هذا القانون.

وكذلك المستخدمون المؤقتون والذين يقصد بهم عمال الإدارات والمؤسسات العمومية الذين لا تتوفر فيهم صفة الموظف بالمفهوم القانوني والإداري كالأعوان المتعاقدين.

ثالثا. ذوي الوكالة النيابية:

تضم أعضاء البرلمان بغرفتيه،بما فيهم الفئة المعنية من طرف السيد رئيس الجمهورية والمنتخبون في المجالس الشعبية المحلية (البلدية والولاية).

ومن يتولى وظيفة أو وكالة في مرفق عام أو مؤسسة عمومية تكون ذات رأس مال مختلط، والمقصود بذلك المستخدمون في الهيئات العمومية و المؤسسات ذات رأس مال مختلط و المؤسسات خاصة التي تقدم خدمة عمومية،والذين يتمتعون بالمسؤولية كرئيس أو مدير أو رئيس مصلحة أو من يتولاها بوكالة مثل أعضاء مجلس الإدارة للمؤسسات العمومية الإقتصادية الذين ينتخبون من قبل الجمعية العامة.

الفرع الثاني/ الفئات الأخرى:

أولا/الأشخاص الذين لهم حكم الموظف:

 هم الأشخاص المعروفين بأنهم موظفون عموميون أو في حكم ذلك طبقا للتشريع و التنظيم كالمستخدمين العسكريين والمدنيين التابعين لوزارة الدفاع الوطني، وكذا الضباط العموميون،

و تجدر الإشارة أن فئة المستخدمين مستثنون من تطبيقات المادة 2 من قانون الوظيفة العمومية ويخضعون لأحكام الأمر رقم 02/06 المتضمن القانون الأساسي للمستخدمين العسكريين.

أما الضباط العموميون فهم الذين يتولون بتفويض من قبل السلطة العمومية وظيفة تحصيل الحقوق و كل الرسوم المستحقة لحساب الخزينة العمومية ،مما يؤهلهم أن يكتسبوا حكم الموظف العمومي لطبيعة مهامهم العامة (الموثق، المحضر، المترجم الرسمي،...).

ثانيا/ الموظف العمومي الأجنبي وموظف المؤسسات الدولية العمومية:

-النوع الأول: يقصد به كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا لدى بلد

أجنبي ،سواء أكان معينا أو منتخبا، وكل شخص يمارس وظيفة عمومية لصالح بلد أجنبي بما في ذلك لصالح هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية،و هذا ما أقرته منظمة الأمم المتحدة.

أما النوع الثاني فهو كل مستخدم دولي أو كل شخص تأذن له مؤسسة دولية بأن يتصرف نيابة عنها ويتعلق الأمر بالمنظمات العمومية الدولية و المنظمات التابعة للجمعيات الدولية.

المطلب الثاني- جرائم الفساد:

تضمن قانون 06-01 المعدل والمتمم في بابه الرابع مجموعة من الجرائم التي أقرها المشرع وحددها على سبيل الحصركجرائم فساد وهي:

     - جريمة الرشوة

-         الامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية

-         جريمة الإختلاس

-         جريمة الغدر

-         جريمة الإعفاء غير القانوني في الضريبة والرسم

-         جريمة إستغلال النفوذ

-         جريمة إساءة إستغلال الوظيفة

-         جريمة تعارض المصالح

-         جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية

-         جريمة عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات

-         جريمة الإثراء غير المشروع

-         جريمة تلقي الهدايا

-         جريمة التمويل الخفي للأحزاب

-         جريمة الرشوة في القطاع الخاص

-         جريمة إختلاس الأموال في القطاع الخاص

-         جريمة تبييض العائدات الإجرامية

-         جريمة الإخفاء

-         جريمة إعاقة السير الحسن للعدالة

-         حماية الشهود والخبراء والمبلغين والضحايا

-         البلاغ الكيدي

-         عدم الإبلاغ عن الجرائم

 

المحاضرة السادسة:

ستقتصر دراستنا لموضوع التجريم والعقوبات على مجموع من الجرائم المختارة وهي:جريمة الرشوة، جنحة  الامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية، وجريمة إختلاس الممتلكــــــــــات.

الفرع الأول/  جريمة الرشوة

من خلال ما ورد في نص المواد 25،27،28،40 من قانون 01/06 نجد أن المعالجة القانونية لهذا الفعل التجريمي الخطير قد شمل الموظفين العموميين،الصفقات العمومية ،الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية العمومية والرشوة في القطاع الخاص بذات أركان الجريمة وإختلاف العقوبة التي تكون من سنتين إلى عشر سنوات وغرامة من.200.000د.ج إلى 1.000.000د.ج بالنسبة الموظفين العموميين، و تكون من عشر سنوات إلى عشرون سنة وغرامة من 1.000.000.د.ج إلى 2.000.000د.ج بالنسبة الرشوة في مجال الصفقات العمومية، ومن سنتين إلى عشر سنوات وغرامة من.200.000د.ج إلى 1.000.000د.ج بالنسبة لرشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية العمومية،ومن ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 الى 500.000 د.ج بالنسبة للرشوة في القطاع الخاص.

وأخذ بمفهوم الازدواجية لجريمة الرشوة بموجب هذه المادة بخلاف مفهوم الأحادية الذي اتخذه في إطار المفهوم التقليدي  الذي تم إلغاءه ، وأعطى لهذه الجريمة أهمية خاصة باعتبارها تشكل خطورة أخلاقية اجتماعية واقتصادية، و على أساس ذلك اقتضى دراستها وتحليلها وفقا للمبادىء العامة للقانون الجنائي ،فنجد أن المشرع قد حدد في الفقرة الأولى من المادة 25 مكونات جريمة الرشوة السلبية وفي الفقرة الثانية تكلم عن الرشوة الإيجابية و ربطها بالموظف العمومي الذي تعدى حكمه إلى نص المادة 27 ،28و تميز بالخصوصية بنص المادة40  من ذات القانون المتعلقة بالقطاع الخاص.

أولا/ جريمة الرشوة السلبية( الموظف المرتشي):

 وهو ما يعرف في الفقه الجنائي بجريمة الموظف المرتشي ،والتي تقوم على توافرأركانها الثلاثة:

-         صفة المرتشي فيجب أن يكون موظفا عموميا.

-         طلب أو قبول مزية الغير مستحقة.

-         أن يكون الغرض منها إمتناع المرتشي عن أداء عمله أو دفعه لأداء عمله.

1- صفة الجاني:مقتضيات المواد المذكورة أعلاه تقتضي توافر شرط الموظف العمومي و الذي حدد نطاقه في الباب الأول من هذا القانون.

2- الركن المادي: بالرجوع لنص هذه المواد نجد أن هذا الركن يتحقق بتوافر عنصر الطلب أو القبول لهذه المزية غير المستحقة، وفي نطاقها نجد أن الركن المادي يتفرع إلى ثلاث عناصر أساسية : النشاط الإجرامي، موضوع الرشوة، والغرض منها.

أ/النشاط الإجرامي: يتمثل هذا النشاط في صورة الطلب أو القبول .

1-أ.الطلب: هو تعبير يصدر عن إرادة الموظف العمومي المنفردة، يطلب من خلاله مقابلا لأجل أداء واجباته الوظيفية أو تقديم خدماته التي تدخل في صلب مهنته ،ويكفي هنا مجرد صدور الطلب قيام الجريمة حينما تتوافر باقي الأركان التي سوف نتكلم عنها، بل أنه إذا طلبها الموظف العمومي وقابله الشخص بالرفض فإن الجريمة قائمة وخاصة إذا تم الإبلاغ عنها، فالطلب في حد ذاته سواء كان شفويا أو كتابيا ،صريحا أو ضمنيا،لخدمة أو لفائدة الجاني أو لغيره أو عن طريق الغير ،يشكل بتوافر باقي الأركان جريمة تامة دون الاعتداد بقبول صاحب المصلحة أو رفضه.(1)

 

(1)-محمد عوض، الجرائم المضرة بالمصلحة العامة،دار المطبوعاتالجامعية ،الإسكندرية،سنة 1998،ص:14

  2-أ.القبول: يفترض القبول من قبل الموظف العمومي للعرض الوارد إليه من صاحب المصلحة، بشرط أن يكون هذا العرض جديا ولا مزاح فيه، فإذا كان العرض يفتقد لعنصر الجدية فإن جريمة الرشوة لا تقوم حتى ولو رضي بها الموظف، كأن يقول له إذا قمت بأداء هذا العمل سأهديك طائرة أو باخرة أو سأخذك في رحلة إلى القمر،فمحل العرض غير مستصاغ ولا يقبله المنطق ولا يتسم بالجدية التي يقتضيها القانون فلا تقوم به جريمة الرشوة حتى ولو قيلها الموظف (1)، كما يشترط في حالة عرض الرشوة أن يكون القبول من الموظف جديا، فإذا كان قبوله لأجل الإبلاغ عن الشخص الراشي فإن ذلك لايعتبر قبولا جديا كما تقتضيه المادة 25 ،ويعتد بالقبول مهما كان طبيعته  شفويا ، مكتوبا أو بالإشارة، ويكون موضوعه هدية أو وعدا بالحصول عللى فائدة أو هبة مالية أو حتى عرضا معنويا مضمونه ترقية أو منصبا إداريا.

3-أ.الشروع في جريمة الرشوة:إن الشروع  في جريمة الرشوة يتضح بشكل جلي حينما يكون السلوك الإجرامي للموظف العمومي مقتصرا على الطلب،فإذا قام هذا الموظف بإبداء رغبته لأخذ مزية دون أن تصل هذه الرغبة لصاحب المصلحة نكون بصدد الشروع في الرشوة بصورة طلب ،و كذلك القول أن هذه الرغبة إذا تضمنتها رسالة أوكتابات من قبل الموظف العمومي يطلب فيها الحصول على مزية لقاء قيامه بعمل أو امتناعه عن عمل وكان بصدد أخذها من صاحب المصلحة فإنه يكون في حالة شروع في جريمة الرشوة باعتبار أن النتيجة لم تتحقق.

أما الشروع حينما يكون النشاط الإجرامي مقتصرا على القبول فإنه من الناحية القانونية و المنطقية يكون مستحيلا لأنه حينما يعرض الراشي مزية على الموظف العمومي المرتشي فيقبلها تكون حينئذ الجريمة تامة ولا شروع فيها.

 

 

(1)- أحسن بوسقيعة،الوجيز فيالقانون الجزائي الخاص،الجزأ الثاني،دار هومة،الجزائر،الطبعة الرابعة ،سنة2006،ص:60

ب-.موضوع جريمة الرشوة:

نص عليها المشرع الجزائري  بلفظ المزية غير مستحقة وكانت في الأصل وفقا لنص المادة 126 الملغاة تسمى عطية أو وعد أو هبة أو هدية ، وهذه المزية قد تكون ذات طبيعة مادية أو معنوية، مشروعة أو غير مشروعة، محددة أو غير محددة .وقد تكون نقودا أو مالا عينيا كعقار أو منقول، أو قد تكون معنوية كترقية الموظف إلى منصب أسمى من منصبه الأصلي ،و يجب أن تكون  غير مستحقة و ليست من حق الموظف العمومي ،فإذا طلبها يعاقب بإعتباره لا يستحقها قانونا لأنه يقوم بواجبه الوظيفي الذي يتلقى عليه أجرا ،و لا يجوز له أن يمتنع عن أداء مهامه مادامت تدخل في نطاق صلاحياته المسندة إليه.

ج- الغرض من هذه الرشوة:

 تقتضي هذه الرشوة السلبية أن يقبل الموظف بها أو يطلب هذه المزية لأداء عمله أو الإمتناع عن أداء عمله الذي يدخل في نطاق وظيفته،وقد تقتضي هذه الجريمة من الموظف أن يقوم بسلوك إيجابي لتحقيق مصلحة صاحب الحاجة ،أو أن يأخذ مالا أو هدية ليحرر وثيقة إدارية لصاحب المصلحة هي في الأصل من ضمن مهامه. كما تقوم هذه الجريمة حينما  يقوم الموظف بسلوك سلبي فيمتنع عن أداء وظيفته بمقابل فائدة أو منفعة ،كأن يأخذ مبلغا ماليا بمقابل امتناعه عن تسليم استدعاء أو تكليف بالحضور لصاحبه مثلا أو كعون الضرائب الذي يمتنع عن إرسال إشعار المطالبة بالضريبة بمقابل مالي.

3-  الركن المعنوي :

جريمة الرشوة تعتبر من الجرائم العمدية التي تقتضي لقيامها توافر القصد الجنائي بعنصريه: العلم والإرادة بحيث يجب أن يكون الموظف العمومي يعلم بتوافر جميع أركان هذه الجريمة فيدرك أنه مطالب بأداء عمله أو الامتناع عنهرغم أنه يدخل في صميم وظيفته، فإذا كان هذا الموظف لايعلم أصلا بأنه موظفا عموميا بمفهوم نص المادة 2 من قانون 01/06 على أساس أنه لم يخطر بقرار تعيينه لهذه الوظيفة، أو كان فيها أو ظن أنه قد تم عزله منها، ففي هذه الحالة ينتفي القصد الجنائي و تعتبر تلك المزية التي قدمت له كانت لغرض بريء و مشروع وليس مقابلا للقيام بعمل أو الامتناع عن أدائه.

فالأصل في جريمة الرشوة أن يتوفر فيها الركن المعنوي بوضوح حتى يكون دليل إثبات على قيامها،فقد يتابع الموظف العمومي لإرتكابه لهذه الجريمة دون أن يكون متعمدا أصلا لأداء هذا العمل أو الامتناع عنه ،أي بمعنى أنه لا علم له بالجريمة و إرادته لم تتجه إلى تحقيق نتيجتها الجرمية أو الشروع فيها عن طريق الطلب.

ثانيا/جريمة الرشوة الإيجابية(جريمةالراشي) :

ما يلاحظ أن المشرع الجزائري لم يشترط صفة معينة يجب توافرها في شخص الراشي أي صاحب المصلحة أو صاحب الحاجة، بعكس الصورة الأولى التي اقتضت توافر صفة الموظف العمومي كمرتشي، ولكن حينما نربط بين كلتا الصورتين نجد أن هذه الصفة تبقى حاضرة في شخص من عُرضت عليه المزية غير المستحقة أو وُعد بها أو مُنحت له ،وتقوم هذه الجريمة على الأركان التالية:

1-   النشاط الإجرامي:

لقد حددته المواد المذكورة أعلاه ، ويتمثل  في الوعد بالمزية أو عرضها على الموظف العمومي أو منحها إياه،ويشترط أن تكون هذه الحالات خاصة الوعد و العرض جديين ،مما يدفع الموظف للقيام بما طلب منه من باب الإغراء المادي الذي يجعله يسعى إلى قبولها، وبذلك فإن الوعد أو العرض غير الجدي الذي يفتقد للقيمة المادية وحتى المعنوية داخل المجتمع ،قد لا يعتد به القاضي الجزائي باعتباره لا يشكل نشاطا إجراميا ،هذا النشاط الإجرامي قد يكون مباشرا بين الراشي صاحب المصلحة و الموظف العمومي وقد يكون غير مباشربوجود وسيط بينهما.

2- الشخص المستفيد منها:

 الأصل أن هذه الجريمة لاتقوم إلا إذا كانت مرتبطة بشخص الموظف العمومي الذي حددته المادة 2 من قانون 01/06، فلا يستصاغ أن تقوم جريمة الرشوة بين شخص عادي لمصلحة شخص آخر يفتقد لصفة الموظف العمومي ،لأن المشرع الجزائري قد ربط تطبيقات الفقرة 1 من المادة 25 بتطبيقات الفقرة 2 منه فيما يتعلق بالنشاط الإجرامي للموظف العمومي في صورة القبول.وتبقى هذه الجريمة ثابتة في حق الراشي حتى ولو رفضها من عُرضت عليه ، وقد يكون بين العارض أو الواعد أو المانح والمستفيد وسيطا بينهما والذي يقع تحت نطاق المسؤولية الجزائية .

3-القصد الجنائي: كل ما تكلمنا عنه بصدد القصد الجنائي الذي يشكل الركن المعنوي لجريمة الرشوة السلبية، فإنه ينطبق كذلك على شخص الراشي في جريمة الرشوة الإيجابية،فيقتضي أن تتجه إرادة الراشي إلى تحقيق النتيجة الجرمية حين يوعد أو يعرض أو يمنح ،ويكون يعلم بحيثيات الجرم ويدرك عقوبته،أما إذا كانت هذه الإدارة جاءت لأجل تشجيع هذا الموظف العمومي و تحفيزيه لأداء عمله بشكل جيد، و ليس لأجل تحقيق خدمة ما أو دفعه عن الامتناع لأداء خدمة ما .فلا تقوم في هذه الحالة جريمة الرشوة.

4-  العقوبات المقررةلجريمة الرشوة:

تكون العقوبة المقررة من سنتين إلى عشر سنوات وغرامة من.200.000د.ج إلى 1.000.000د.ج بالنسبة الموظفين العموميين، و تكون من عشر سنوات إلى عشرون سنة وغرامة من 1.000.000.د.ج إلى 2.000.000د.ج بالنسبة الرشوة في مجال الصفقات العمومية، ومن سنتين إلى عشر سنوات وغرامة من.200.000د.ج إلى 1.000.000د.ج بالنسبة لرشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية العمومية،ومن ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 الى 500.000 د.ج بالنسبة للرشوة في القطاع الخاص.

وإذا توفرت ظروف التشديد المنصوص عليها في  المادة 48 من  هذا القانون ذاته، فإن العقوبة تشدد  بالحبس من عشر (10) سنوات الى عشرين (20) سنة متى وذلك حينما يكون الموظف العمومي  قاضيا ، أو موظفا يمارس وظيفة عليا في الدولة ،أو ضابطا عموميا أوعضوا في الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، أوضابطا أو عون شرطة قضائية  ممن يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية أوموظف أمانة ضبط.

       ووفقا لنص المادة 50 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته فإنه في حالة الإدانة بجريمة من جرائم الفساد، يجوزللجهة القضائية الناظرة في موضوع الدعوى،الحكم بتوقيع عقوبات تكميلية مقترنة بالعقوبة الأصلية، والمنصوص عليها في المادة 9 من الأمر رقم 66/156 (1)المتعلق بقانون العقوبات كالمنع من الإقامة تحديد الإقامة، الحرمان من مباشرة بعض الحقوق ،والإقصاء من الصفقات العمومية...الخ

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة السابعة:

الفرع الثاني /جنحة  الامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية

       نصت عليها المادة 26 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته المعدل و المتمم بقولها " يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلي عشر سنوات (10) و بغرامة من 200.000 دج إلي 1.000.000 دج :

1- كل موظف عمومي يقوم بإبرام عقد أو يؤشر أو يراجع عقدا أو اتفاقية أو صفقة أو ملحقا مخالفا بذلك الأحكام التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل بغرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير .

2- كل تاجر أو صناعي أو حرفي أو مقاول من القطاع الخاص ، أو بصفة عامة كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم ، و لو بصفة عرضية ، بإبرام عقد أو صفقة مع الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات العمومية الخاضعة للقانون العام أو المؤسسات العمومية الاقتصادية و المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري ، و يستفيد من سلطة أو تأثير أعوان الهيئات المذكورة من أجل الزيادة في الأسعار التي يطبقونها عادة أو من أجل التعديل لصالحهم في نوعية المواد أو الخدمات أو آجال التسليم أو التموين ." 

    يتضح   من خلال نص المادة أعلاه أن جريمة الامتيازات غير المبررة جائت مركبة لأنها تضمنت صورتين للجريمة الأولى تتعلق بجنحة المحابـــــــــاة ( المادة 26 /1 )   و الثانية تتعلق بجنحة استغلال نفوذ الهيئات و المؤسسات العمومية للحصول علي امتيازات غير مبررة   ( المادة 26/2 ) .

أولا/  جنحة المحاباة :

يسميها البعض بجريمة المنح العمدي لإمتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية، وترتبط أساسا بوجود الصفقات ،ونظرا لأنها وتشكل خطرا جسيما عليها ،أحاط المشرع الجزائري الصفقات العمومية بمثل هذه الحماية الجزائية،

1/ أركان جريمة المحاباة

وجريمة المحاباة مثلها مثل جل جرائم الفساد تقتضي لقيامها وفقا لنص المادة 26 فقرة 1 توفر ثلاث أركان، الركن المفترض ، الركن المادي ، الركن المعنوي .

-أ-الركن المفترض المتمثل في صفة الجاني :

 تعد جريمة المحاباة من الجرائم ذوي الصفة التي يشترط لقيامها صفة معينة في الجاني، و هي صفة الموظف العمومي التي حددتها المادة 26 فقرة 1 ، والتي تشمل كل من يشغل منصبا أو يتولى وظيفة أو وكالة في الإدارات و الهيئات و المؤسسات العمومية، و كل شخص آخر يتولى وظيفة في مؤسسة خاصة تقدم خدمة عمومية .

  فجريمة المحاباة  تقوم بمخالفة الموظف العمومي المسؤول عن إبرام العقود أو التأشير عليها، أوالمختص بمراجعة العقد أو الاتفاقية أو الصفقة أو الملحق . للأحكام التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل ، لأجل إعطاء امتيازات غير مبررة للغير،

ب - الركن المادي :

 فبمجرد إتيان الموظف العمومي لهذا السلوك الإجرامي المتمثل في منح امتيازات غير مبررة للغير مخالفة لأحكام التشريع و التنظيم المتعلقة بحرية المشاركة و المساواة بين المشاركين  و شفافية الإجراءات خلال إبرام أو تأشير عقد أو اتفاقية أو صفقة أو ملحق ، و عليه يتمحور الركن المادي لجنحة المحاباة حول ثلاثة عناصر :

-إعطاء امتيازات غير مبررة للغير :

 يقصد بمنح امتيازات غير مبررة للغير هو تفضيل مشارك في صفقة عمومية على مشارك آخر دون وجه حق ، بما يخل بقواعد الشفافية و المنافسة الشريفة ، و بالرجوع إلى الممارسة الميدانية فإن أشكال الامتياز غير المبرر تتعدد فقد تكون بتزويد المستفيد من الصفقة بمعلومات امتيازيه ، و قد يتمثل في خرق حكم من أحكام قانون الصفقات العمومية ممكن أن يترتب عنه إخلال بالمساواة بين المشاركين .

  وعلى العموم يتحقق الامتياز غير المبرر عندما يستفيد مشارك من صفقة دون المرور بإجراء الوضع في المنافسة مخالفة للتشريع و التنظيم كتحرير فواتير مزورة تكون من فعل شركة المستفيد من الصفقة .

   و فيما يتعلق بالمستفيد من الامتياز غير المبرر يشترط أن يكون الغير و ليس الجاني بخلاف جريمة الرشوة التي يكون فيها المستفيد من المزية أو المنفعة هو الجاني .

- مخالفة أحكام التشريع و التنظيم المتعلقة بحرية المشاركة و المساواة بين المشاركين و شفافية الإجراءات

 تتطلب جنحة المحاباة مخالفة   أحكام التشريع و التنظيم المتعلقة بحرية المشاركة و المساواة بين المشاركين و شفافية الإجراءات و لا تنحصر فقط في مخالفة قانون الصفقات العمومية ، كما تنصرف جنحة المحاباة إلى كل عقد يبرمه موظف عمومي بمفهوم المادة 2 فقرة ب من قانون الفساد، سواء كان هذا العقد يخضع لقانون الصفقات العمومية أو لا يخضع له .

 و تبعا لذلك يمكن تقسيم الأحكام التشريعية و التنظيمية إلى نوعين أحكام عامة و تتمثل أساسا في الأحكام التشريعية المنصوص عليها في القانون التجاري و قانون المنافسة ، و القانون الذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية ، و الأحكام التنظيمية المنصوص عليها في النصوص التطبيقية لها ، و أحكام خاصة تتمثل في الأحكام التشريعية المنصوص عليها في المادة 9 من قانون مكافحة الفساد ، و الأحكام التنظيمية المنصوص عليها في قانون الصفقات العمومية .

- مناسبة جريمة المحاباة :

وتتحقق عند قيام الموظف العمومي بإبرام أو التأشير علي عقد أو اتفاقية أو ملحقا مخالفا بذلك أحكام التشريع و التنظيم الجاري العمل به ، لا سيما تلك القواعد المقررة بموجب قانون الصفقات العمومية إضافة إلى قواعد و مبادئ قانون الوقاية من الفساد و مكافحته و غيرها من النصوص التشريعية و اللوائح التنظيمية المتعلقة بجميع العقود الإدارية ، التي تهدف كلها لضمان اختيار أحسن العروض من حيث الجودة و السعر ، و تماشيا مع مبدأ الاستغلال الأفضل و الأحسن لتدبير صرف المال العام ، و عليه فإن الركن المادي يرتكز على قيام الموظف العمومي لهاتين العمليتين .

ج/الركن المعنوي لجريمة المحاباة:

يتضح من المادة 26 الفقرة 1 أن جريمة المنح ألعمدي لامتيازات غير مبررة هي من الجرائم العمدية التي تتطلب قصد جنائي عمدي ، و يكفي لقيامه توافر القصد الجنائي العام فحسب بغض النظر عن القصد الجنائي الخاص و المتمثل في توافر الإرادة المتمثلة في اتجاه الجاني بكامل حريته و اختياره إلي إفــــادة أحـــد المشاركين بامتيازات غير مبررة مخالفا بذلك أحكام التشريع و التنظيم المتعلقة بحرية المشاركة و المساواة بين المشاركين و شفافية الإجراءات ،مع علمه بأركان الجريمة و إدراكه بكونه موظف عام أو من في حكمه  و أن يكون مختصا بإبرام العقود أو التأشير عليه أو مراجعة عقدا أو اتفاقية أو صفقة أو ملحقا فإن كان لا يعلم ينتفي القصد الجنائي كما لو لم يتم تبليغه بقرار تعينه أو ترقيته .

د/ العقوبات المقررة لجريمة المحاباة

تعاقب المادة 26-1 على جنحة المحاباة بالحبس من سنتين (2) ألي عشر (10) سنوات و غرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج ، و تطبق علي الشخص العنوي غرامة من 1.000.000 دج إلى 5.000.000 دج و ذلك طبقا للمادة 53 من قانون مكافحة الفساد و المادة 18 مكرر -1 من قانون العقوبات

 كما تطبق علي هذه الجنحة كل الأحكام المطبقة علي رشوة الموظف العمومي بشأن الظروف المشددة و الاعفاء من العقوبة و العقوبات التكميلية و المصادرة و الرد و المشاركة و الشروع و مسؤولية الشخص المعنوي و إبطال العقود و الصفقات .

   أما مسألة التقادم فتطبق علي هذه الجريمة فيما يتعلق بالتقادم ما هو مقرر في الفقرتين الأولى و الثانية من المادة 54 من قانون مكافحة الفساد .

ثانيا/ جنحة استغلال نفوذ الأعوان العموميين للحصول علي امتيازات غير مبررة

    إن جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميون للحصول على امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية تعني استغلال الجاني لسلطة أو تأثير أو نفوذ أعوان الدولة أو المؤسسات و الهيئات التابعة لها بمناسبة إبرام صفقة أو عقد مع هذه المؤسسات أو الهيئات العمومية من المتعاملين المتعاقدين، و هذا حسب ما نصت عليه المادة 26 فقرة 2 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته بقولها ".... كل تاجر أو صناعي أو حرفي أو مقاول من القطاع الخاص ، أو بصفة عامة كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم ، ولو بصفة عرضية ، بإبرام عقد أو صفقة مع الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات العمومية الخاضعة للقانون العام أو المؤسسات العمومية الاقتصادية و المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري ، ويستفيد من سلطة أو تأثير أعوان الهيئات المذكورة من أجل الزيادة في الأسعار التي يطبقونها عادة أو من أجل التعديل لصالحهم في نوعية المواد أو الخدمات أو أجال التسليم أو التموين ."

1- أركان جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين للحصول علي امتيازات غير مبررة

و بناءا علي نص المادة أعلاه يتضح أن هذه الجريمة تتوافر علي ثلاث أركان و هي صفة الجاني أي الركن المفترض ، ركن مادي ، ركن معنوي .

-أ– الركن المفترض :

تقتضي المادة 26-2 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته أن تكون صفة الجاني في هذه الجريمة إما تاجرا أو صناعي أو حرفي أو مقاول من القطاع الخاص ، وبصفة عامة كل شخص طبيعي أو معنوي من القطاع الخاص ، و يطلق علي هؤلاء تسمية الأعوان الاقتصاديين كما يطلق عليهم اصطلاح المتعامل المتعاقد في حالة إبرام صفقة عمومية أو اتفاقية وفقا لأحكام المرسوم الرئاسي رقم 15/247 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية و تفويضات المرفق العام ، و بهذه الإضافة نجد أن المشرع الجزائري قد خرج عن اشتراط صفة معينة في الجاني .

ب- الركن المادي :

 يتحقق الركن المادي عندما يقوم العون العمومي بمخالفة إحدى الإجراءات أو المراحل التي تستوجبها طرق إبرام الصفقات العمومية و التي تضمن الشفافية و المنافسة الشريفة و المساواة بين المتقدمين للصفقة العمومية ، من خلال إبرام الجاني عقدا أو صفقة مع الدولة أو إحدى الهيئات التابعة لها و يستفيد من سلطة أو تأثير أعوان هذه الهيئات للحصول على امتيازات غير مبررة تتمثل في الزيادة في الأسعار أو التعديل في نوعية الخدمات أو المواد ما يؤثر سلبا علي المتقدمين الآخرين للصفقة  ، و عليه فالركن المادي يقوم علي عنصرين :

- السلوك الإجرامي :

  يتضح أن السلوك الإجرامي حسب أحكام المادة 26 فقرة 2 من قانون الفساد يتمثل في النفوذ الذي يمتلكه العون العمومي التابع للمصلحة المتعاقدة مهما اختلفت درجته الإدارية ، من خلال استغلاله لسلطته و تأثيره بمناسبة إبرامه للعقود أو الصفقات مع الدولة أو أحدى الهيئات التابعة لها .

  و يشترط أن يكون عون الدولة صاحب سلطة في الهيئات المعنية أو له تأثير عليها كالرئيس و أو مدير الهيئة ...، كونهم يتوفرون على جميع المعطيات الخاصة بالصفقة خاصة ما تعلق منها بإمكانيات المتنافسين عليها من خلال إعطاء معلومات سرية حول الصفقة المراد إبرامها من طرف المصلحة المتعاقدة .

- الامتيازات غير المبررة كنتيجة لاستغلال نفوذ الأعوان العموميين:

 تشترط المادة 26 فقرة 2  من قانون الفساد لكي تقوم الجريمة يجب أن يستغل الجاني التاجر مثلا نفوذ و سلطة أو تأثير أعوان الدولة أو الهيئات التابعة لها من أجل الزيادة في الأسعار التي يطبقها عادة أو التعديل لصالحه في نوعية المواد أو الخدمات أو آجال التسليم أو التموين ، و مثال على الزيادة في الأسعار كما لو أن تاجر أبرم عقدا مع بلدية لتزويدها بأجهزة كمبيوتر و كان السعر المعمول به لا يتجاوز 50.000 دج للوحدة ، في حين طبق التاجر علي البلدية سعر 70.000 دج مستغلا بذلك علاقته المتميزة مع رئيس البلدية . و ما سبق بيانه فإن الجريمة تنطبق علي البائع و ليس علي المشتري .

ج- الركن المعنوي :

جنحة استغلال نفوذ الأعوان العموميين جريمة عمدية يشترط فيها توافر القصد الجنائي العام و القصد الجنائي الخاص ، فالقصد العام ينصرف إلى علم الجاني بنفوذ أعوان الدولة في إبرام الصفقة أو العقد و اتجاه إرادته إلى استغلال هذه السلطة أو هذا النفوذ لفائدته ، أما القصد الخاص فيتمثل في اتجاه نية الجاني إلى الحصول علي امتيازات مع العلم أنها غير مبررة .

د / العقوباتات المقررة لجريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين

   تطبق علي جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميين ذات الأحكام المقررة لجنحة المحاباة ، سواء         تعلق الأمر بإجراءات المتابعة أو العقوبات .

وإذا توفرت ظروف التشديد المنصوص عليها في  المادة 48 من  هذا القانون ذاته، فإن العقوبة تشدد  بالحبس من عشر (10) سنوات الى عشرين (20) سنة متى وذلك حينما يكون الموظف العمومي  قاضيا ، أو موظفا يمارس وظيفة عليا في الدولة ،أو ضابطا عموميا أوعضوا في الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، أوضابطا أو عون شرطة قضائية  ممن يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية أوموظف أمانة ضبط.

      ووفقا لنص المادة 50 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته فإنه في حالة الإدانة بجريمة من جرائم الفساد، يجوزللجهة القضائية الناظرة في موضوع الدعوى،الحكم بتوقيع عقوبات تكميلية مقترنة بالعقوبة الأصلية، والمنصوص عليها في المادة 9 من الأمر رقم 66/156 (1)المتعلق بقانون العقوبات كالمنع من الإقامة تحديد الإقامة، الحرمان من مباشرة بعض الحقوق ،والإقصاء من الصفقات العمومية...الخ

 

 

المحاضرة الثامنة:

الفرع الثالث- جريمة إختلاس الممتلكــــــــــات:

تعتبر من أخطرالجرائم الماسة بالمال العام والخاص،والأكثر شيوعا وانتشارا خاصة في بلدان العالم الثالث ،الذي تتسم منظومته البنكية والمالية بالهشاشة وسوء التخطيط والتسيير،مما يجعلها معرضة دائما لمخاطر هذه الجريمة التي أدت إلى إفلاس البنوك وضياع أموال المودعين.

أولا- تعريف جريمة الإختلاس:

 يعرفها أهل الفقه بأنها: كل استيلاء على حيازة شيء بغير رضا مالكه،أي بمعنى أخذ الشيء من مالكه وإدخاله في ملكية الجاني دون علم المجني عليه و رضاه.أو قيام الموظف العمومي ومن في حكمه أو من العاملين في المؤسسات المالية ،وشركات المساهمة العامة، بإدخال أموال منقولة أو أوراق أو أية أشياء أخرى وجدت في حيازته، بسبب الوظيفة في ذمته دون وجه حق(1).وقد نص عليه المشرع الجزائري في قانون العقوبات المعدل و المتمم في المادة 29 من القانون 01/06 التي ألغت المادة 119 من ق.ع فنصت على أنه: (يعاقب بالحبس من سنتين إلى 10 سنوات و بغرامة من 200ألف د.ج إلى 1 مليون د.ج .كل موظف عمومي يختلس أو يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا وبدون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر،أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أشياء أخرى ذات قيمة عُهد بها إليه بحكم وظائفه أو بسببها).ومنه تتضح مكونات هذه الجريمة وأركانها التي تقتضي توافرها لأجل سيران المتابعة الجزائية وفقا لسندها.

 

(1)-نائل عبد الرحمان الصالح الطويل،الأعمال المصرفية والجرائم الواقعة عليها،الجزا1،داروائل للطباعة والنشر الأردن،ط1،2000 ص:209

 

ثانيا /  أركـان جريمة اختلاس  الممتلكات:

 قد تتشابه بعض الجرائم فيما بينها مما يقتضي تحديد الأركان تحديدا واضحا حتى يتسنى الوقوف على التكييف القانوني الصحيح للواقعة، والقول عندئذ ما إن كانت تشكل جريمة سرقة أو خيانة أمانة أو الاختلاس،ويذلك نجد وفق المادة المذكورة أعلاه أن جريمة الاختلاس تتميز عن باقي الجرائم المتشابهة من خلال طبيعة أركانها.

1/الركن المادي: بالرجوع لنص المادة المذكورة أعلاه، الأفعال المادية النتصبة على فعل الإختلاس هي: الإختلاس، التبديد، الحجز العمدي للشيء محل الإختلاس ،الإستعمال غير الشرعي للمال المختلس.وللركن المادي مظاهر تميزه عن باقي الجرائم المشابهة وتتمثل في مايلي:

أ- الإختلاس:

 يتمثل هذا السلوك المادي في كل الأفعال و التصرفات الملازمة لنية الجاني المتجهة إلى محاولة الاستيلاء التام على المال الذي يكون بحيازته بنية تملكه،فيصبح ملكا خاصا به مما يؤدي إلى زيادة ذمته المالية فيتصرف فيه ميفما شاء تصرف المالك الفعلي.

و بتحقق هذه الجريمة يجب أن يكون المال مملوكا للغير،مع اقترانه بعنصر القصد الجنائي الذي يدل صراحة على نية الجاني في تملك الشيء والتصرف فيه وكأنه مالكه الحقيقي.

ب- التبديد:

يقصد به التصرف بالمال على نحو كلي أو جزئي وذلك بإنفاقه و استهلاكه،والتبديد في الأصل يتضمن بالضرورة اختلاس الشيء، فهو فعل مادي لا حق لفعل الاختلاس، أي بمعنى أن مجرد استعمال الشيء لا يعني بالضرورة تبديده وبذلك فإن مفهوم التبديد من الناحية القانونية ينطبق على الاستعمال للمنفعة الخصة أو الاستعمال الذي يؤدي إلى هلاك الشيء المختلس. 

ج - الحجز على الأموال دون وجه حق: بحيث لا يلجأ الموظف إلى الاستيلاء على المال أو تبديده ولكن يحنجزه دون وجه حق،الأمر الذي قد يؤدي إلى تعطيل المصلحة التي جاء المال لخدمتها،وليس في احتجاز المال اختلاسا له إذ أنه بمجرد احتجاز الشيء يفيد أن نية الجاني مازالت غير راغبة في التصرف فيه و الظهولر بمظهر المالك الحقيقي له.

2/عناصر الركن المادي لجريمة الاختلاس: بالرجوع الى المادة 29 من القانون المتعلق  بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم السابق الإشارة اليه،يمكن استخلاص عناصر الركن المادي لجريمة الإختلاس وذلك على النحو التالي:

أ: حيازة الموظف للمال المختلس:إن موضوع و محل جريمة الاختلاس هو المال الذي يعتبر شرطا جوهريا نميز به بين جريمة الاختلاس وجريمة الاستيلاء على الأموال،فالاختلاس لا يقع إلا من حائز،أي يجب أن يكون المال في حيازة الموظف العام بحكم وظيفته التي يستغلها ،(1)

ولقد حدد المشرع الجزائري المال محل الاختلاس في المادة 119 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، وأكد  على أن يكون موضوع الجريمة أموالاعمومية أو خاصة أووثائق ومستندات أو غيرها وذلك بقولها: ...تسبب بإهماله الواضح في سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقامهما أو وثائق أو سندات أو عقود أو أموال منقولة وضعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها."وهذا ما لا يتعارض مع نص المادة 29 من القانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم  التي نصت على :* ...أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي أشياء أخرى لها قيمة عهد بها إليه بحكم وظائفه  أو بسببها.*وبالتالي يمتد محل الاختلاس ليشمل كل شيء ذي قيمة،التي قد تكون مادية بحتة كالأموال والأوراق والأمتعة، وقد تكون أدبية أو اعتبارية كالخطابات والرسائل، لذا يستوي أن يكون محل المال لجريمة الاختلاس ذا قيمة مالية كبيرة أو ضئيلة ،كما يستوي أن يكون محلا عاما أو خاصا ما دام قد حازه الموظف بحكم وظيفته(2).

 

(1)- علي عبد القا در القهوجي،شرح قانون العقوبات الجزائري القسم الخاص، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر،ص:76

(2)- فتوح عبدالله الشاذلي، شرح فانون العقوبات الجزائري –القسم الخاص، ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر، سنة1998ص:81                         

ويجب أن يكون المال محل الاختلاس منقولا، لأن هذا ما يتفق والغاية من تجريم  فعل  اختلاس الأموال التي يحوزها الموظف بسبب وظيفته ، وهذه الغاية لا تتحقق إلا بالنسبة للأموال المنقولة . وقد يكون موضوعا لجريمة الاختلاس، المال الخاص الذي تعود ملكيته للفرد ،إذا تم تسليمه للموظف بحكم وظيفته ،والسبب في التجريم هنا يتعلق بحماية  عنصرالثقة لدى  موظفي البنوك الذين يحق لهم بحكم  وظائفهم تسلم المال من الأفراد.وبذلك يكون محل جريمة الإختلاس هو المال سواء أكان عاما أم خاصا كما تكون محل الجريمة المستندات والوثائق الرسمية.:

1-أ- المال العام:

جرم المشرع الجزائري الاختلاس سواء كان محله عاما أو خاصا، فالمال العام هو محل الجريمة وبمعنى آخر هو ما يحوزه الموظف بسبب الوظيفة، فالمال العام هو موضوع جريمة الاختلاس وهو ما جاء بنص قانون العقوبات الجزائري، والقانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم ([1]) فإذا كان المال عاما فإن وقوع الاختلاس يترتب عليه ضياع حقوق عامة  تتعلق بالمجتمع .

2-أ- المال الخاص:

إن نص المادة 29 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم ،تشمل بالإضافة إلى المال العام ،المال الخاص الذي يمكن أن يكون محلا للاختلاس، ويقصد به المال المملوك لأحد الأفراد أو لجهات خاصة ليست ملكا للدولة،وبذلك تكون الحماية القانونية مفروضة  على كلا النوعين من الاموال  العامة والخاصة ،وهذا ما يؤدي إلى تحفيز الأشخاص للتعامل مع البنوك بكل ثقة واطمئنان دون خوف و تردد.

 3-أ- المستندات والوثائق الرسمية:

قد تكون محلا لجريمة الاختلاس، الوثائق، والسندات، والعقود، والأموال المنقولة الموجودة بعهدة الموظف أو سلمت إليه بسبب وظيفته، وهذه الوثائق والسندات والعقود هي مجموعة من الأموال الخطية والكتابية ذات قيمة مادية أو أدبية ،تم حفظها لدى الموظف نظرا  لأهميتها ،قد تتضمن حقوقا والتزامات لأصحابها تجاه الغير تقتضي المحافظة عليها من الضياع، و الأموال غير المنقولة لا تدخل ضمن هذا الإطار، كما أنه لا يشترط أن تكون هذه الأشياء قد وضعت تحت إشراف الموظف فقد تكون في الأصل من المستلزمات التي تقتضيها وظيفته  كالمكتب والخزانة والأوراق وجهاز الإعلام الآلي مثلا،و يجب أن يتوفر عنصر العلم لدى الموظف بطبيعة هذه الأشياء محل حيازته، فإذا قام بإتلافها أو إزالتها بنية الإضرار والغش،يكون عندئذ قد ارتكب جريمة يعاقب عليها

ويقصد بالإتلاف أي عمل يقوم به الموظف، لجعل الوثيقة أو السند أو العقد غير صالح لما أعد له أصلا، فقد يمحي محتويات السند بصورة جزئية أو كلية ويتلفها بإستعمال أي مادة كيميائية مما يؤدي لإستحالة قراءته أو استعماله ، ويقصد بالإزالة إعدام الشيء كحرقه أو إذابته ،أو أي طريقة أخرى تعدم وجوده نهائيا.

ب.: أن تكون حيازة الموظف للمال بحكم وظيفته:

وتتحقق  حيازة المال لدى الموظف بسبب الوظيفة، عندما يتم تسليمه الاموال يدا بيد أي تسليما فعليا و حقيقيا ، أو في حالة  التسليم الحكمي كحال المصرفي الذي يستولي على الاموال المودعة أو بعض منها رغم أنها لم تسلم له يدا بيد،بل سلمت لغيره من الموظفين ، و هذا يعني أنه لا يجب لقيام جريمة الإختلاس أن يكون تسليم المال محل الجريمة بالمعنى الحقيقي أو الدقيق، بل يكفي أن يوجد المال في يد الموظف بحكم وظيفته بأي شكل من الأشكال .

كما أنه لا تنتفي رابطة السببية بين الحيازة والوظيفة،حتى ولو كان اكتساب الحيازة بسبب الوظيفة قد انطوى على مخالفة القانون، فالقانون لا يتطلب سوى أن تكون الوظيفة هي سبب حيازة الموظف للمال.

 كما لا يلزم أن يكون وجود المال في حيازة الموظف من الأموال التي تقتضيها وظيفته الأصلية وإنما يكفي أن يكون منتسبا بصفة مؤقتة لعمل يخوله حيازة المال سواء كان تكليفه بهذا العمل كتابيا أ شفويا

3/الركن المعنوي لجريمة الاختلاس:

 يشترط لوقوعها، أن يكون موظف متعمدا ويعلم بأنه يختلس مالا مملوكا لغيره، وأن هذا المال موجودا في حيازته بسبب وظيفته، مع اتجاه نيته نحو الإضرار بصاحب المال أي بنية تملكه، فجريمة لاختلاس  من الجرائم العمديه  ،وبذلك فإنها لا تقوم إذا تمت بسبب الإهمال ولو كان جسيما. وبالتالي فإن جريمة الاختلاس تعتبر جريمة قصدية يأخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي ،وعليه يجب أن يكون الموظف على علم بأن المال الذي بحوزته هو ملك للدولة أو للغير، ومع ذلك تتجه إرادته إلى حجزه واختلاسه بنية تملكه .

فالقصد العام القائم على العلم والإرادة لا يكفي لتحقيق الركن المعنوي إلا في حدود فعل احتجاز المال دون وجه حق، أما باقي السلوك المادي لهذه الجريمة كالسرقة والتبديد فيتطلب تحقق القصد الجنائي الخاص، باتجاه نية الموظف إلى تملك الشيء الذي بحوزته.

أ/القصد الجنائي العام:

عندما يرتكب الشخص الجريمة مع علمه بعناصرها  والمامه بها ،فتتحقق الجريمة بتوافر القصد الجنائي العام، الذي تقتضيه كل الجرائم العمدية، ففي جريمة الإختلاس يتمثل القصد الجنائي العام في اتجاه إرادة الموظف إلى فعل الاختلاس وهو عالم بكافة عناصر الركن المادي لجريمة الاختلاس، فيجب أن يعلم الفاعل بصفته كموظف ،وأن المال في حيازته الناقصة بسبب وظيفته ولا يجوز له التصرف فيه كمالكه، وبالتالي يتحقق القصد العام بعلم الجاني بعناصر الجريمة وإرادته في تحقيق هذه العناصر. ،لذا فإن انتفاء العلم لأي عنصر من هذه العناصر، ينفي القصد الجنائي لدى المتهم، مثال أن يعتقد الموظف أن المال الموجود في حيازته لا علاقة له بالوظيفة التي يشغلها بالبنك، كما لو اعتقد مثلا أن صاحب المال قد سلمه له باعتباره وديعة خاصة أو على سبيل القرض، أو لسداد دين له في ذمته ،وليس وفاء لما هو مستحق عليه لخزانة الدولة.

وقد يعتقد الموظف أن القانون يجيز له التصرف في المال، و يسمح  بذلك بسبب الوظيفة ، أو بناء على أمر رئيس تجب طاعته، أو يعتقد أنها واجبة عليه. ففي جميع هذه الحالات ينتفي القصد الجنائي ولا تقوم جريمة الاختلاس، ويتطلب القصد العام بالإضافة إلى شرط العلم وجوب اتجاه إرادة المتهم إلى فعل الاختلاس وذلك بالتصرف في المال الموجود في حيازته الناقصة بسبب الوظيفة كتصرف المالك الفعلي له.،ومتى توافر القصد الجنائي في حق الجاني فإنه يخضع للعقوبة المنصوص عليها في المادة 119مكرر من قانون العقوبات الجزائري، ولا عبرة بعد ذلك بالباعث الذي دفعه إلى ارتكابها .

ب--/ القصد الجنائي الخاص:

يتمثل القصد الجنائي في إتجاه  نية الموظف إلى  إمتلاك المال المختلس واعتباره ملكه الخاص، أي  بمعنى أن نية الموظف الحائز للمال بصفة مؤقتة تتجه نحو التصرف فيه تصرف المالك، لذا  فإن القصد الجنائي العام  المتمثل في العلم والإرادة لا يكفي لقيام الجريمة ،وإنما يجب أن يتوافر القصد الخاص الذي يتمثل في نية تملك المال المختلس، وعليه فإن الموظف الذي تتجه نيته إلى مجرد استعمال المال المملوك للدولة أو للغير دون أن تكون لديه نية تملكه لاتقوم في حقه جريمة الإختلاس وبالتالي فإن القصد الجنائي الخاص في جريمة الاختلاس ينصب على الفعل المادي الذي يمثل السلوك الإجرامي، مع نية سلب المال من مالكه، و الاستيلاء عليه  دون وجه حق ،ومن ثم إعتباره ملكا  للموظف.

ج- الشروع في جريمة الاختلاس: 

الشروع في جريمة الاختلاس  يكون قائما ومتوافرا، مادام أنه ينصب على ذلك السلوك المادي، الذي بمقتضاه يتم تغييرطبيعة حيازة موظف البنك للمال من حيازة ناقصة إلى حيازة تامة مع نية التملك له، وبذلك نجد أنه حتى ولو كان هذا الموظف يريد بفعله مجرد الظهور بمظهر المالك الفعلي للمال وتم ضبطه قبل أن يكتمل الركن المادي للجريمة، فيعتبرذلك  شروعا يعاقب عليه.

و المشرع الجزائري بعد إعادة تكييفه للوصف الجنائي لهذه الجريمة من جناية في ظل القانون القديم إلى جنحة،فقد جرم الشروع في جميع جرائم الفساد الواردة بالباب الرابع بموجب نص المادة 52 من القانون رقم 06-01 التي تنص على أنه(..يعاقب على الشروع في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بمثل الجريمة نفسها) ،وبذلك يكون قد قطع في هذه المسألة بنص صريح لا يحتاج لأي إجتهاد فقهي.

4-الركن الشرعي لجريمة الاختلاس:

 تستند هذه الجريمة من حيث ركنها الشرعي لنص المادة 29 من القانون رقم 06- 01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم  التي تنص على  أنه" يعاقب بالحبس من سنتين (02) إلى عشر سنوات (10) وغرامة مالية من 200.000 إلى 1.000.000دج كل موظف عمومي يختلس أو يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا وبدون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه،أو لصالح شخص أو لكيان آخر أي ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم وظائفه أو بسببها.

فهذه المادة حددت عناصر قيام جريمة الإختلاس ،تحديدا واضحا واكدت على أن يكون مرتكب الجريمة يتمتع بصفة الموظف عمومي، ثم بينت طبيعة الفعل محل الركن المادي لهذه الجريمة  والذي يتمثل في فعل الاختلاس ، الاتلاف ، التبديد، الإحتجاز العمدي، أو الإستعمال غير الشرعي له أو للغير.

كما تضمنت الأموال موضوع هذه الجريمة ،واشترطت وجود علاقة بين الفعل والصفة أي أن يكون المال قد تم تسليمه للشخص مرتكب الجريمة بحكم وظيفته أو بسببها،وأقرت لذلك عقوبة أصلية سالبة للحرية مرتبطة بعقوبة تكميلية تتمثل في بالغرامة المالية .

كما تستند  هذه الجريمة لأحكام المادة 119مكرر من قانون العقوبات المعدل والمتمم  التي تنص  على أنه :*يعاقب بالحبس من6 أشهر إلى 3 سنوات وبغرامة من 50.000دج إلى 200.000دج ، كل موظف عمومي بمفهوم المادة 2 من قانون رقم 06-01 المؤرخ في 20فبرايرالمتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته ،تسبب بإهماله الواضح في سرقة أو إختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أوخاصةأوأشياء تقوم مقامها،أو وثائق أوسندات أو عقود أو أموال عمومية أوخاصةأوأشياء تقوم مقامها، أو وثائق أوسندات أو عقود أو أموال منقولة وضعت تحت يده سواء بحكم وظيفته أو بسببها*

فهذه المادة لاتتكلم على مرتكب جريمة الإختلاس، إنما على من يتسبب في وقوع هذه الجريمة  من الموظفين العموميين بسبب إهمالهم الواضح، وعدم مبالاتهم بوظيفتهم ،دون اخذهم للحيطة التي تقتضيها طبيعة الوظيفة في المحافظة على الأموال والأشياء الي سلمت لهم بحكم هذه الوظيفة أو بسببها،فجرمت فعل الإهمال وعاقبت عليه.

وإذا توفرت ظروف التشديد المنصوص عليها في  المادة 48 من  هذا القانون ذاته، فإن العقوبة تشدد  بالحبس من عشر (10) سنوات الى عشرين (20) سنة متى وذلك حينما يكون الموظف العمومي  قاضيا ، أو موظفا يمارس وظيفة عليا في الدولة ،أو ضابطا عموميا أوعضوا في الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، أوضابطا أو عون شرطة قضائية  ممن يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية أوموظف أمانة ضبط.

     و وفقا لنص المادة 50 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته فإنه في حالة الإدانة بجريمة من جرائم الفساد، يجوزللجهة القضائية الناظرة في موضوع الدعوى،الحكم بتوقيع عقوبات تكميلية مقترنة بالعقوبة الأصلية، والمنصوص عليها في المادة 9 من الأمر رقم 66/156المتعلق بقانون العقوبات كالمنع من الإقامة تحديد الإقامة، الحرمان من مباشرة بعض الحقوق ،والإقصاء من الصفقات العمومية...الخ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضــــــــــــــــرة التاسعة:

المبحث الخامس/ أساليب التحري الخاصة في جرائم الفساد:

نص عليها المشرع الجزائري في المادة 56 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته   بما يلي: " من أجل تسهيل جمع الأدلة المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، يمكن اللجوء الى التسليم المراقب أو إتباع أساليب تحري خاصة كالترصد الالكتروني والاختراق على النحو المناسب وبإذن من السلطة القضائية المختصة، تكون للأدلة المتوصل إليها بهذه الأساليب حجيتها وفقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما".

يتضح من خلال المادة أعلاه أن المشرع قد أباح اللجوء إلى إتباع أساليب تحري خاصة للكشف عن الفساد وفقا لضوابط قانونية محددة يقتضي احترامها،والتي تضمنتها النصوص الإجرائية الواردة بقانون الإجراءات الجزائية الجزائري المعدل والمتمم، بدءا من المادة65 مكرر5 إلى المادة 65مكرر18وتتمثل هذة الأساليب حسب ترتيبها بالنص فيما يلي: 

المطلب الأول/ التسليم المراقب كطريقة للتحري في جرائم الفساد:

الفرع الأول/تعريف التسليم المراقب:

 له تعاريف فقهية كثيرة لا تختلف عن بعضها البعض ،احسنها ما وجدته بأحد المقالات القانونية والتي جاء فيها: أن التسليم المراقب عبارة عن مصطلح قانوني يراد به السماح لشحنة من المواد المحظورة بالمرور في إقليم دولة ما ، تحت سمع السلطات المختصة بالمكافحة و بصرها، و عبوره إلي دولة ما أخرى أو أكثر تنفيذا لاتفاق مسبق بين الدول المعنية، يحدد واجبات أجهزة المكافحة في هذه الدول لتأمين مراقبة سرية دائمة للشحنة المحظورة لمعرفة مقصدها النهائي و كشف الرؤوس المدبرة و الممولة لعملية التهريب و ضبط أكبر عدد من المتورطين في تنفيذها".(1) 

 

 

 

[1]- براء منذر كمال ، فاطمة حسن شبيب : التعاون الجنائي الدولي في مجال التسليم المراقب ، مجلة جامعة تكريت للحقوق ، عدد 29 ، العراق ، أذار 2016 ، ص 43 

 

فهذا التعريف جاء شاملا وملما لكافة عناصر هذا الأسلوب من التحري التي إستحدثتها السياسة الجنائية الحديثة في إطار مايسمى بالعولمة التشريعية لأجل مكافحة الجريمة ذات الطابع الدولي بما فيها جرائم الفساد واستردااد العوائد المالية لهذه الجرائم،  وممن خلال هذا الأسلوب تسمح  السلطات المختصة بناء على طلب دولة أخرى بمرور الأشخاص أو شحنات المخدرات و المؤثرات العقلية وكل الأشياء التي تعد حيازتها جريمة أو متحصلة من جريمة أو كانت أداة في ارتكابها، عبر حدودها الإقليمية دون ضبطها،

لاقتفاء أثر العائدات الإجرامية و مصادرتها .

فهذا الأسلوب الحديث يكتسي أهمية كبيرة في السياسة الجنائية للدول بما فيها الجزائر،التي أقرته بموجب نص المادة 56المذكورة أعلاه نظرا لجدواه في التصدي لجرائم الفساد وتحقيق نتائج إيجابية  من خلال تحديد الوجهة النهائية لشحنات المواد غير المشروعة و ضبط الأشخاص القائمين بها ، مما يؤدي بالضرورة إلى التعرف و كشف كافة العناصر الرئيسية القائمة بهذا النشاط من منظمين و ممولين  و هذا العمل هو مبتغي التسليم المراقب(1)

ولقد وضح المشرع الجزائري الرؤية القانونية لهذا الأسلوب من التحريات  بموجب المادة الثانية الفقرة ك من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته التي نصت على أن التسليم المراقب هو: " الإجراء الذي يسمح لشحنات غير مشروعة أو مشبوهة بالخروج من الإقليم الوطني أو المرور عبره أو دخوله بعلم من السلطات المختصة أو تحت مراقبتها ، بغية التحري عن جرم ما وكشف هوية الأشخاص الضالعين في ارتكابها".  وهذا مايتوافق مع نص المادة 40 من الأمر رقم 05 – 06،المتعلق بمكافحة التهريب(2) التي تنص على أنه " يمكن للسلطات المختصة بمكافحة التهريب أن ترخص بعملها و تحت رقابتها حركة البضائع الغير مشروعة و المشبوهة، للخروج أو المرور أو الدخول إلي الإقليم الجزائري، بغرض البحث عن أفعال التهريب و محاربتها بناء علي إذن وكيل الجمهورية المختص

 

1- علواش فريد : التعاون الدولي عن طريق نظامي تسليم المجرمين و التسليم المراقب ، مجلة الفكر ، كلية الحقوق    و العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر بسكرة ، عدد الرابع عشر، الجزائر ، 2014 ، ص 174

2- الأمر رقم : 05-06 ، المؤرخ في 18 رجب عام 1426 ه الموافق لـ 23 أوت2005 ، المتعلق بمكافحة التهريب جريدة رسمية للجمهورية الجزائرية ، عدد 59 ، مؤرخة في : 28/08/2005 

ومنه يتضح بشكل جلي أن هذا الإجراء له السند القانوني الذي يعطيه الشرعية ويجعلة عملا مشروعا،مادامت غايته التصدي لجرائم الفساد وتسهيل مصادرة العائدات الاجرامية على المستوى الوطني والدولي .

الفرع الثاني: أنواع التسليم المراقب

وفقا للنصوص القانوية الواردة بشأن التسليم المراقب فإنه ينقسم إلى نوعين تسليم مراقب داخلي و تسليم مراقب خارجي ذا طابع دولي.

أولا/ التسليم المراقب الداخلي:

نصت عليه المادة 2 فقرة ك من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته المشار إليها سابقا  و المادة 16 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم التي تنص على أنه: ...أن يمددوا عبر كامل القليم الوطني عمليات مراقبة الأشخاص...أو مراقبة وجهة أو نقل أشياء أو أموال أو متحصلات من إرتكاب هذه الجرائم أو قد تستعمل في ارتكابها.

يتضح من خلال المادة الإجرائية أعلاه أن النطاق المكاني لهذا النوع من التسليم المراقب ينحصر في حدود الإقليم الوطني ولا يتعداه نحو الخارج، بحيث تتم عملية مراقبة وتتبع وجهة العائدات الإجرامية المهربة لداخل الوطن  دون ضبطها مباشرة لحين الكشف عن مئالها ومكان تسليمها  داخل إقليم الدولة.

ثانيا/ التسليم المراقب الخارجي (الدولي )

نصت عليه المادة 2 فقرة ك المشار إليها أعلاه و يتم بسماح السلطات المختصة للدولة بخروج أو دخول  شحنات غير مشروعة، قادمة من الخارج أو متجهة نحو الخارج إنطلاقا من حدود إقليمها بالتنسيق مع الدول المعنية بالجريمة في إطار التعاون الدولي الذي تحكمه المعاهدات الدولية والإتفاقيات الثنائية ، فيتم تتبع الشحنة ومراقبتها لحين وصولها لمكان تسليمها بإقليم دولة ما دون التسرع في ضبطها ومصادرتها لأجل الكشف عن مرتكبيها ،

الفرع الثالث: الأحكام الضابطة للتسليم المراقب

كما هو الحال لباقي أساليب التحري التي يجب أن تخضع للشرعية القانونية حتى لا يطعن في سلامتها وترتب أثارها ،فإن هذا الأسلوب من التحري نظرا لأهميته وخطورته وطابعه الدولي يخضع لمجموعة من الأحكام التي تضفي عليه الشرعية القانونية ،وتتمثل فيما يلي :

أولا: الحصول على إذن السلطة القضائية المختصة

نصت عليه المادة 56 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته المشار إليها،ويخضع لذات القوعد الإجرائية التي نصت عليها المادة 65 مكرر5 بقولها: (....تنفذ العمليات المأذون بها على هذا الأساس تحت المراقبة المباشرة لوكيل الجمهورية المختص ، في حالة فتح تحقيق قضائي ، تتم العمليات المذكورة بناء على إذن من قاضي التحقيق وتحت مراقبته المباشرة ) ، ويقتضي أن يكون مصاغا بوضوح ومسببا وفقا لنص المادة 65 مكرر7 متضمنا لكافة عناصر الجريمة محل المتابعة، بالتنسيق بطبيعة الحال في حالة التسليم المراقب الدولي مع السلطات القضائية للدول الأجنبية المعنية بالجريمة.

ثانيا: مباشرة عملية التسليم المراقب من قبل الشرطة القضائية

يمارس التسليم المراقب بعد إذن من الجهة القضائية المختصة ضباط الشرطة القضائية المحددين في المادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم.

يتوجب على ضباط الشرطة القضائية أن يمارسوا اختصاصهم المحلي في الحدود التي يباشرون ضمنها وظائفهم المعتادة، إلا أنه يجوز لهم في حالة الاستعجال، أن يباشروا مهمتهم في كافة دائرة اختصاص المجلس القضائي الملحقين به ويجوز لهم أيضا في حالة الاستعجال، أن يباشروا مهمتهم في كافة الإقليم الوطني إذا طلب منهم أداء ذلك من القاضي المختص قانونا، ويجب أن يساعدهم ضباط الشرطة القضائية الذين يمارسون وظائفهم في المجموعة السكنية المعينة، ويتعين عليهم في الحالتين السابقتين أن يخبروا مسبقا وكيل الجمهورية الذين يباشرون مهمتهم في دائرة اختصاصه.

يمكن لضباط الشرطة القضائية، وتحت سلطتهم أعوان الشرطة القضائية، ما لم يعترض على ذلك وكيل الجمهورية المختص بعد إخباره، أن يمددوا عبر كامل الإقليم الوطني عمليات مراقبة وجهة  أو نقل أشياء أو أموال أو متحصلات من ارتكاب هذه الجرائم أو قد تستعمل في ارتكابها.

وبالتالي فإن المشرع الجزائري وسع من الاختصاص الإقليمي لضباط الشرطة القضائية المكلفون بالقيام بالتسليم المراقب، وجعله يشمل كل الإقليم الوطني في الجرائم المنصوص عليها في المادة 16 /7 قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم، وبشرط قبول وكيل الجمهورية بعد إخبار

ثالثا: وقوع جريمة من جرائم الفساد

و هي الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من القانون رقم: 06-01 المؤرخ في: 20 فبراير سنة 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته المعدل و المتمم، و قد بدأت هذه النصوص التجريمية من المادة 25 إلي المادة 47 و قد جاءت علي سبيل الحصر و هي كالتالي: رشوة الموظفين العموميين، الامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية، الرشوة في مجال الصفقات العمومية، رشوة الموظفين العموميين الأجانب و موظفي المنظمات الدولية العمومية، اختلاس الممتلكات من قبل موظف عمومي أو استعمالها علي نحو غير شرعي، الغدر، الإعفاء و التخفيض غير القانوني في الضريبة و الرسم، استغلال النفوذ، إساءة استغلال الوظيفة ، تعارض المصالح ، أخذ فوائد بصفة غير قانونية، عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات الإثراء غير المشروع، تلقي الهدايا، التمويل الخفي للأحزاب السياسية، الرشوة في القطاع الخاص اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص، تبيض العائدات الإجرامية، الإخفاء، إعاقة السير الحسن للعدالة، حماية الشهود و الخبراء و المبلغين و الضحايا البلاغ الكيدي عدم الإبلاغ عن الجرائم. 

المطلب الثاني/  أسلوب الترصد الإلكتروني:

خصص المشرع الجزائري الفصل الرابع للترصد الالكتروني بـعنوان " اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور" وهذا ما نصت عليه المواد  65 مكرر 5 إلى 65 مكرر10 ق.إ.ج.ج. وهو ألية تعتمد على إستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة لتعقب الجريمة والكشف عنها، أسندت لمصالح الشرطة القضائية المختصة وبإذن من السلطة القضائية صاحبة الإختصاص.1

 

(1) رشيدة بوكر: جرائم الاعتداء على نظم المعالجة الآلية في التشريع الجزائري المقارن، طبعة 1، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2012، ص441.

 

 

الفرع الأول/أسلوب إعتراض المراسلات:

يقصد بهذا الأسلوب التصنت على المكالمات الهاتفية أو تسجيلها أو نسخ المراسلات التي تتم عن طريق وسائل الإتصال السلكية واللاسلكية ومراقبتها(1).وتشمل المراسلات:"جميع الخطابات و الوسائل و الطرود و البرقيات التلغرافية والمكالمات الهاتفية".

وقد حدد المشرع الجزائري المراسلات التي تتم عن طريق وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية بموجب المادة 08 من القانون رقم: 2000- 03 المؤرخ في : 05/08/2000 المتعلق بالبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ووسع من نطاقها فأضحت لا تقتصر على المكالمات الهاتفية بل تعدتها لكل الأجهزة الأخري التي تستقبل أو ترسل المعلومات والاشارات  " كل تراسل أو إرسال أو استقبال لعلامات أو إشارات أو كتابات أو صور أو أصوات أو معلومات مختلفة عن طريق الأسلاك أو البصريات أو اللاسلكي الكهربائي أو أجهزة أخرى كهربائية مغناطيسية".(2)

الفرع الثاني/ أسلوب إعتراض الاتصالات السلكية و اللاسلكية :

يتم استخدام هذا الأسلوب عن طريق التصنت على المكالمات الهاتفية ومراقبة وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية الاخرى بضبطها والاطلاع عليها.

أولا-ألية التصنت على المكالمات الهاتفية:

ويتم الأسلوب الأول بالتصنت على المحادثات التي تتم عبر الخطوط الهاتفية الثابتة منها أو المحمولة  و سماعها خلسة(2) ، ويقتضي وفقا لنص المادة 65 مكرر07 من قانون الإجراءات الجزائية أن يكون التصنت محددا من حيث موضوع المحادثة المتعلقة بالجريمة محل المتابعة ،ويشمل هذا الأسلوب المشتبه فيه والأشخاص المتصل بهمأو المتصلين به  ،

 

[1]- القانون رقم :2000- 03 ، المؤرخ في 05 جمادى الأولى عام 1421 الموافق لـ 05 أوت 2000،  يحدد القواعد العامة المتعلقة بالبريد و بالمواصلات السلكية واللاسلكية، جريدة رسمية للجمهورية الجزائرية، عدد 48            مؤرخة في:  06 أوت2000.

2 - ربيحة زيدان : الجريمة المعلوماتية في التشريع الجزائري والدولي، دون طبعة، دار الهدى، الجزائر، 2011        ص 93.

 

 

 

ويكون التصنت مباشرا أو غير مباشر، فيتم الأول عن طريق وضع أجهزة تسجيل عن طريق الدخول على الخط المراد مراقبته لاسلكيا، والقادم من مركز التوزيع الرئيسي عن طريق ربط سلكي مباشر بالخط الهاتفي اللاسلكي إلى منزل مشتبه فيه وتعد هذه الطريقة من الطرق القديمة (1)

أما التصنت غير المباشر فيتم بوضع سلك بجانب السلك الهاتفي للمشتبه فيه بحيث يتداخل معه مغناطيسيا، ويتم استغلال هذا المجال المغناطيسي في التقاط الأحاديث التي تمر خلاله لاسلكيا بواسطة أجهزة صغيرة يمكن حملها وتوصيلها إلى جهاز التسجيل  حيث يستطيع المراقب الاستماع للمحادثات التليفونية وتسجيلها من مكان مجاور لمنطقة التليفون العمومي التي يتم عن طريقها تلك المحادثة (2).

ثانيا/ألية مراقبة وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية الأخرى:

تتم هذه الألية عن طريق استنساخ لمضمون وثيقة أو لمحررمعين عن بعد ، أونقل لمعلومات أساسية يتضمنها هذا المحرر. باستخدام أجهزة تكنولوجية خاصة ذات تقنية عالية تسمح بالتقاط الصوت بدقة ، كالميكروفونات المخفية ذات الحجم  الصغير أو الكاميرات لتسجيل الصوت والصورة.مما يسهل القبض على الشخص المشتبه به متلبسا بالجريمة.

الفرع الثالث/ أسلوب تسجيل الصوت:

يهدف هذا الأسلوب  إلى أخذ اعتراف الشخص بإرتكابه للجريمة دون علمه أو رضاه ، عن طريق تسجيل حديثه سرا.وتحصيل دليل الاتهام من قبله،لذلك يعرف البعض هذا الأسلوب بأنه تلك: العملية التقنية التي يتم من خلالها النقل المباشر والآلي للموجات الصوتية من مصادرها بنبراتها ومميزاتها الفردية وخواصها الذاتية بما تحمله من عيوب في النطق على جهاز معد لذلك، بحيث يمكن إعادة سماع الصوت

 

1 - لؤي عبد الله نوح : مدى مشروعية المراقبة الالكترونية في الإثبات الجنائي وحجية مشروعية الدليل الالكتروني المستمد من التفتيش الجنائي وعوامل حجية الصورة والصوت في الإثبات الجنائي" دراسة مقارنة"، طبعة أولى ، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، مصر ،2018، ص – ص 103- 104.

(2)- صرياك بدرة،أساليب التحري في جرائم الفساد، مذكرة ماستر تخصص قانون جنائي،المركز الجامعي بريكة ،سنة 2019،ص:48

 

 

والتعرف على مضمونه  وإدراك خواصه التي تشكل عناصر المقارنة عند مضاهاته على صوت الشخص  المنسوب إليه مما يتيح تقرير إسناده أو نفي ذلك، كون التسجيل تجسيدا لشخصية صاحبه يفوق ما تمثله صورته الصماء. (1)

وحسب نص المادة 65 مكرر5 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم فإن هذا الأسلوب يشمل التقاط وتثبيت وبث وتسجيل الكلام المتفوه به بصفة خاصة وسرية، من قبل شخص أو

عدة أشخاص في نطاق مكاني خاص أو عام ،ولأجل جمع أكبر قدر من الأدلة فقد أجاز المشرع بذات المادة أعلاه لظباط الشرطة القضائية الدخول إلى المحلات السكنية أو غيرها من الأماكن حتى خارج الأجال المنصوص عليها فية المادة 47 من ذات القانون ودون رضى أصحاب هذه الأماكن.

ويتضح مما تقدم أن المشرع الجزائري قد أخذ بالمعيار الشخصي الذي يعتد بأسلوب وطريقة تبادل الكلام كمعيار للتمييز بين الحديث العام والحديث الخاص ، دون مراعاة لطبيعة المكان الذي يوجد فيه الأشخاص ما إذا كان مكانا عاما أو خاصا ،

الفرع الرابع/ أسلوب التقاط الصور

نصت عليه المادة 65 مكرر5 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم، للكشف عن الجريمة ومرتكبيها،وللإحتجاج بها كدليل إثبات مادي للإدانة،بقوله : "...التقاط صور لشخص أو عدة أشخاص يتواجدون في مكان خاص..." .وتتنوع طرق التقاطها حسب نوع الجهاز المستعمل في ذلك فقد تتم بإستعمال كاميرات وأجهزة خاصة تلتقط الصوت و الصورة،ـو بألات التصوير التي تقتصر على أخذ الصور فقط بأنماط مختلفة وعالية الجودة،  وتعتبر عملية التقاط الصور مراقبة بصرية لوضعية شخص أو عدة أشخاص على الحالة التي كانوا عليها،وقت التصوير وهي تربط الزمان والمكان والأشخاص في وقت واحد ، وقد تمتد إلى الدليل المادي للجريمة و محيطها. وبنحصر النطاق المكاني في حدود الأماكن الخاصة دون العامة التي تتميز أصلا بالعلانية.

 

1- ركاب أمينة،أساليب التحري الخاصة في جرائم الفسادفي القانون الجزائري،رسالة ماجستير،جامعة تلمسان 2014/2015 ص:60-61

المحاضــــــــــرة العاشـــــــــــرة:

الفرع الخامس/الأحكام القانونية الضابطة لعملية  الترصد الإلكتروني

هناك أحكام موضوعية و أحكام إجرائية يقتضي إحترامها لصحة إجراءات الترصد الالكتروني،ولتجنب المساس بحرمة الحياة الخاصة للأشخاص قدر المستطاع ،وتعتبر في ظل الفقه الجنائي قيودا أوردها المشرع على الجهات المختصة بالبحث والتحري حت تحسن التصرف ولا تتعسف في حق الاشخاص محل الاشتباه أو المتابعة.

أولا/الأحكام الموضوعية الخاصة الترصد الإلكتروني

لقد تضمنت النصوص القانونية هذه الأحكام الموضوعية التي يقتضي توفرها في الوقائع المرتكبة حت يتسنى اللجوء لمثل هذا الأٍسلوب الخاص في التحري، وتتمثل في ما يلي:

1/ يجب أن تكون الجريمة المرتكبة من جرائم الفساد:

ويقصد بهذا الشرط أنه لا يمكن إجراء الترصد الالكتروني إلا على الجرائم الواردة على سبيل الحصر بالمادة 65 مكرر5. بما فيها جرائم الفساد المحددة في الباب الرابع من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم. وبالتالي يجب توافر الأسباب الجدية والكافية، بمعنى يلزم لمباشرة الترصد الإلكتروني وجود أفعال قد بدت منها عناصر إجرامية معينة تمثلت في ارتكاب جريمة من جرائم الفساد أي توافرت إحدى الحالات المنذرة بالخطر، أو أن يكون هذا الخطر قد تحول فعلا إلى ضرر(1).  

2/أن يكون الترصد الإلكتروني تقتضيه إجراءات التحري أو التحقيق الإبتدائي:

هذا مانصت عليه المادة 65 مكرر فقرة 1 بقولها " إذا اقتضت ضرورات التحري في الجريمة المتلبس بها أو التحقيق الابتدائي " 

ويحق لنا التساؤل في صياغ هذه المادة ، متى نكون بصدد مقتضيات ضرورات التحري ؟ والجواب أوردته في الأصل المادة65 مكرر5 أعلاه ،فإن هذه الضرورة تكون قائمة بمجرد تكييف الوقائع على أنها تشكل

 

1- قدري عبد الفتاح الشهاوي : الاستخبارات والاستدلالات وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في التشريع المصري العربي الأجنبي " دراسة مقارنة " ، طبعة أولى ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2006 ، ص 04 .

جريمة من جرائم الفساد،أوجرائم التلبس فإرتباطا بنص هذه المادة أعلاة و وفقا لنص المادة56من قانون الوقاية من الفساد يمكن اللجوء لهذا الأسلوب من التحري وبإذن من قبل الجهات القضائية المختصة ممثلة في السيد وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق .1

ثانيا/ الأحكام الإجرائية الخاصة الترصد الإلكتروني

لصحة وسلامة هذا الإجراء وترتيب أثاره القانونية في ملف المتابعة الجزائية، فإن المشرع الجزائري وضع مجموعة من الأحكام الإجرائية التي تمثل الشرعية الإجرائية لهذا الأسلوب من التحري يقتضي التقيد بها وعدم خرقها، ويترتب عن إنتهاكها بطلان إجراءات الترصد الإلكتروني،وتتمثل هذه الأحكام فيما يلي:   

1/ الإذن القضائي:

نصت على ذلك المادة 65 مكرر5 بقولها: (....تنفذ العمليات المأذون بها على هذا الأساس تحت المراقبة المباشرة لوكيل الجمهورية المختص ، في حالة فتح تحقيق قضائي ، تتم العمليات المذكورة بناء على إذن من قاضي التحقيق وتحت مراقبته المباشرة ) ، مما يفيد أن ضباط الشرطة القضائية لا يمكنهم مباشرة هذا الإجراء إلا بعد حصولهم على إذن من السلطة القضائية المختصة ، والتي يتحدد إختصاصها إرتباطا بالمرحلة التي يكون عليها ملف المتابعة ، فقد يصدر من قبل السيد وكيل الجمهورية في الجريمة المتلبس بها أو التحقيق الابتدائي في جرائم الفساد ، أو من قبل قاضي التحقيق بعد إخطاره من قبل وكيل الجمهورية بموجب طلب افتتاحي أو بناء على شكوى مصحوبة بادعاء مدني.

2/ سلامة الصياغة القانونية للإذن:

حتى يكون الإذن الصادر عن الجهة القضائية المختصة منتجا لإثاره القانونية ومجديا في الخصومة الجزائية يقتض أن يصاغ صياغة تتضمن الشروط الشكلية التالية:

- يجب أن يكون مكتوبا ويتضمن عبارات واضحة وصريحة، لا يشوبها أي غموض أو سوء فهم وتفيد بشكل مباشر بمنح الإذن لرجال الشرطة القضائية لإجراء الترصد الإلكتروني ، وفقا لنص المادة 65 مكرر7 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم.

- وفقا لنص المادة 65 مكرر7يجب أن يتضمن الإذن كافة العناصر التي تسمح بالتعرف على الاتصالات المطلوب التقاطها و الأماكن المقصودة سكنية أو غيرها والجريمة التي تبرر إلى اللجوء إلى هذه التدابير  .

 - ووفقا لذات المادة أعلاه  يجب أن تكون مدة صلاحية الإذن محددة  ولا تتجاوز أربعة أشهر ، قابلة للتجديد حسب مقتضيات التحري أو التحقيق و ضمن نفس الشروط الشكلية والزمنية المنصوص عليها قانونا.

3/يجب أن تتم عمليات الترصد الإلكتروني من طرف ضباط الشرطة القضائية:

 نظرا لطبيعة هذا الإجراء الذي يمس بحرية و حرمة الحياة الخاصة للأشخاص، ولما يكتسيه من أهمية في ملف المتابعة الجزائية  فإن المشرع الجزائري قد نص في المادة 65 مكرر8 والمادة 65 مكرر9 على أن يقوم ضباط الشرطة القضائية   المأذون لهم من قبل وكيل الجمهورية أو المنابين من قبل قاضي التحقيق بعمليات الترصد الإلكتروني،ويستفاد من ذلك عدم جوازية قيام  أعوان الشرطة القضائية بذلك.

4/ وضع الترتيبات التقنية اللازمة:

نص المشرع الجزائري على ذلك بموجب المادة 65 مكرر5 التي جاء فيها يلي :" ...وضع الترتيبات التقنية دون موافقة المعنيين ، من أجل التقاط وتثبيت وبث وتسجيل الكلام المتفوه به بصفة خاصة أو سرية من طرف شخص أو عدة أشخاص في أماكن خاصة أو عمومية ، أو التقاط صور لشخص أو عدة أشخاص يتواجدون في مكان خاص ، يسمح الإذن بغرض وضع الترتيبات التقنية بالدخول إلى المحلات السكنية أو غيرها ولو خارج المواعيد المحددة في المادة 47 من هذا القانون وبغير علم أو رضا الأشخاص الذين لهم حق تلك الأماكن ."

ويستخدم ضباط الشرطة القضائية في أداء مهامهم وسائل وأدوات تقنية و تكنولوجية جد متطورة تختلف حسب نوع إجراء الترصد المأذون به، وتتسم هذه الإجراءات بسرية تامة ودون علم أو موافقة الأشخاص المعنيين بها،و دون رضا من له الحق على الأماكن التي تكون محلا لاستخدام هذه الأساليب التقنية، التي يجاز لضباط الشرطة القضائية وضعها في الأماكن العامة أو الخاصة المشمولة في الإذن وحتى خارج الأجال المنصوص عليها في المادة 47 من ذات القانون.

ويمكنهم الإستعانة بالمستخدمين على مستوى المؤسسات العامة أو الخاصة المكلفة بالمواصلات السلكية و اللاسلكية و تسخيرهم  في وضع الترتيبات التقنية اللازمة للترصد الإلكتروني كوضع أجهزة التجسس أو التصوير أو التسجيل مع إلتزام هؤلاء بالسرية التامة بالإجراءات المنوطة بهم:وهذا ما نصت عليه المادة 65مكرر8

5/ تحرير محاضر بعمليات الترصد الإلكتروني:

تقتضي المادة 65 مكرر9    على أن :يحرر ضابط الشرطة القضائية المأذون له أو المناب من طرف القاضي المختص محضرا عن كل عملية اعتراض وتسجيل المراسلات وكذا عن عمليات وضع الترتيبات التقنية وعمليات الالتقاط والتثبيت والتسجيل الصوتي أو السمعي البصري ، يذكر بالمحضر تاريخ وساعة بداية هذه العمليات والانتهاء منها . "وعلى أساس ذلك فإن ضابط الشرطة القضائية المأذون له أو المناب،عليه أن يحرر محضرا يتضمن كل إجراء مهما كانت طبيعته يتعلق بالجوانب القانونية أو التقنية لعملية الترصد الالكتروني دون إنتظار نهاية الإجراءات، مع ذكر تاريخ و ساعة بداية ونهاية أي إجراء من إجراءات الترصد في كل محضر من المحاضر المحررة على حدى، لأجل بسط الرقابة القضائية على مدى صحة وسلامة هذه الإجراءات.

ووفقا لنص المادة 65 مكرر10فإن ضابط الشرطة القضائية المأذون له أو المناب يجب أن:  يصف أو ينسخ ضابط الشرطة القضائية المأذون له أو المناب المراسلات أو الصور أو المحادثات المسجلة و المفيدة في إظهار الحقيقة في محضر يودع بالملف ، تنسخ وتترجم المكالمات التي تتم باللغات الأجنبية عند الاقتضاء بمساعدة مترجم يسخر لهذا الغرض. وهذه ما تمثل نتائج التحريات وما تضمنهة من أدلة وقرائن ومعلومات.

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الحادية عشـــــــــــــر:

المطلب الثالث/ الاختراق كأسلوب للبحث والتحري في جرائم الفساد

تضمنته المادة56 من القانون رقم: 06-01 كأسلوب للتحري في جرائم الفساد وهو مايتطابق ونص المادة 50 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد،فما مفهوم الإختراق؟ وما هي أحكامه؟ 

الفرع الأول/ مفهوم الاختراق أو التسرب

ويقصد بالتسرب أنه: انخراط ضابط الشرطة القضائية في العصابة المشتبه بها لأجل مراقبة أعضائها بإيهامهم أنه فاعل معهم أو شريك لهم أو خاف بقصد الإيقاع بهم.(1)، وهذا ما ذهبت إليه المادة 65 مكرر12 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل و المتمم بقولها " يقصد بالتسرب قيام ضابط أو عون شرطة قضائية تحت مسؤولية ضابط الشرطة القضائية المكلف بتنسيق العملية بمراقبة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جناية أو جنحة بإيهامهم أنه فاعل معهم أو شريك لهم أو خاف". 

ويعاب على المشرع الجزائري أنه إستعمل مصطلحين في آن واحد، للتعبير عن هذا النوع من أساليب التحري فسماه بالتسرب في قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم ،وبمصطلح الإختراق في قانون الوقاية من الفساد و مكافحته المعدل و المتمم ، رغم أن كليهما يعبران على أسلوب واحد.

ويكتسي هذا الأسلوب أهمية كبيرة في جمع الأدلة من مصدرها رغم خطورته على الشخص.الذي يجد نفسه مخترقا لصفوف المجرمين بصفة فاعل أو شريك أو خاف، فيصبح واحدا منهم مما يمكنه من مراقبتهم والإطلاع على أسرارهم ونشاطهم الإجرامي. وجمع الأدلة التي تكون أساسا للحكم بالإدانة.

وتتم عملية التسرب من خلال قيام ضابط أو عون الشرطة القضائية بإخفاء هويته الحقيقية و تقديم نفسه كشخص مجرم متورط في عمليات الفساد بإستعمال هوية مستعارة استنادا لنص المادة 65مكرر12رالفقرة 02 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم التي تنص: " ... يسمح لضابط أو عون الشرطة القضائية أن يستعمل لهذا الغرض هوية مستعارة ..." ،

فيتمكن بذلك من تكوين شبكة علاقات مع الأشخاص المشتبه فيهم، بطرق مباشرة أو غير مباشرة ويقتضي عليه العمل معهم والإندماج في وسطهم دون إثارة أي شبهات لحين تحقيق أهداف الإختراق.

 

[1]- بارش سليمان : شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري "التحقيق القضائي الابتدائي " ، طبعة أولي ، الجزء الثاني دار قانة للنشر و التوزيع ، باتنة ، الجزائر ،2008 ، ص43 .

 بل أجاز المشرع الجزائري للظابط المتسرب إستعمال كل الوسائل لأداء مهمته، وهذا مانصت عليه المادة المادة 65 مكرر14: لضابط أو لعون الشرطة القضائية أن يستعمل عند الضرورة الأعمال التالية :  اقتناء أو حيازة أو نقل أو تسليم أو إعطاء مواد أو أموال أو منتوجات أو وثائق أو معلومات متحصل عليها من ارتكاب الجرائم أو المستعملة في ارتكابها، و استعمال أو وضع تحت تصرف مرتكبي الجرائم الوسائل ذات الطابع القانوني أو المالي و كذا وسائل النقل و التخزين أو الإيداع أو الحفظ أو الاتصال.

ويتسم هذاالأسلوب بالسرية التامة نظرا لخطورته كما سبقا وأن قلنا على الشخص المتسرب، الذي يتم إختياره لأداءهذه المهمة وفقا لمعيار الكفاءة والصبر والقدرة على التمثيل وإستعمال كل الحيل لتقمص الشخصية الإجرامية دون لفت أي إنتباه.(1)

الفرع الثاني/ صور تنفيذ عملية التسرب

لقد حددت المادة 65 مكرر12المركز القانوني لضابط الشرطة أو عون الشرطة القضائية المتسرب فقد يكون فاعلا أصليا أو شريكا أو خاف حسب ماتقتضيه العملية وضروفها،

أولا/  صورة المتسرب كفاعل:

في هذه الصورة يكون عمل الضابط المتسرب عملا مباشر في تنفيذ الجريمة مع تواجده بمسرحها بحيث لا يمكن التمييز بينه وبين بقية المجرمين في حال التعدد،ودون أن يثير أي شبهة إذا كان بمفرده، ولذلك فإنه يبذل الجهد والحيلة لإيهامهم بذلك لحين ضبطهم متلبسين بالجريمة.دون أن يقع تحت طائلة بطلان الإجراء الذي نصت عليه المادة 65 مكرر12أعلاه: "( ... ولا يجوز تحت طائلة البطلان أن تشكل هذه الأفعال تحريضا على ارتكاب جرائم). لأنه إذا أعتبر عمل الضابط المتسرب تحريضا لارتكاب الجريمة بدفعه للمشتبه به على ارتكابها يكون في مركز المحرض أو الفاعل المعنوي وهذا ما يعد عملا غير مشروع يترتب عنه بطلان إجراءات التسرب. لا يجوز للمتسرب بأي حال من الأحوال أن يكون فاعلا معنويا أي محرضا يحمل غيره على ارتكاب جرائم معينة.(2)

 

1-عبد العال خراشي ضوابط التحري و الإستدلال عن الجرائم في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي،دار الجامعة للنشر ،الإسكندرية ،سنة 2006 ص:212

2- أحسن بوسقيعة : الوجيز في القانون الجزائي الخاص ، جزء أول ، طبعة 12 ، دار هومة ، الجزائر ، 2010    ص 97 .

ثانيا/ صورة المتسرب كشريك:

يقتصرعمل المتسرب في صورة الشريك على إيهام المشتبه فيه بتقديم المساعدة اللازمة لارتكاب الجريمة من الأعمال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة للجريمة التي نصت عليها المادة 42 ق،ع.ج. " يعتبر شريكا في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا ، ولكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأعمال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك"

وكذا مانصت عليه المادة 43 من قانون العقوبات بالقول   "يأخذ حكم الشريك من اعتاد أن يقدم مسكنا او ملجأ او مكانا للاجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة او الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي".

ثالثا/صورة المتسرب كخاف:

يتم إيهام مرتكبي الجريمة من قبل المتسرب بقدرته ورغبته غلى تحمل مسؤولية إخفاء الأشياء المسروقة وذلك بعد الإنتهاء من العملية حسب ما نصت عليه المادة 43 من القانون رقم 06/01: " كل شخص أخفى عمدا كلا أو جزءا من العائدات المحصل عليها من إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون". وهذا الأسلوب يكتسي من الناحية العملية أهمية كبيرة و جد إيجابية في تسهيل عملية استرجاع العائدات الإجرامية.

الفرع الثالث/الأحكام القانونية لصحة التسرب:

لصحة عملية التسرب يقتضي توافر مجموعة من الشروط القانونية منها شروط موضوعية و أخرى إجرائية

أولا/ الشروط الموضوعية:

يقتضي اللجوء لهذا النوع من التحري إلى وجود ضرورة معينة تستوجب ذلك،والتي نصت عليها المادة 65 مكرر11 والمادة65 مكرر5 التي تكلمنا بصددها سابقا التي حصرت نطاق الجرائم القابلة لمثل هذا النوع من التحريات بما فيها جرائم الفساد، ويجاز إستخدام إجراءات التحري عن طريق التسرب حينما يكون هو الأسلوب الأمثل والمجدي للكشف عن الجريمة وإستباقها قبل إرتكابها أو بعد إرتكابها،وبمفهوم المخالفة أنه إذا كانت ضرورة التحري والتحقيق منتفية، وبإمكان ضابط الشرطة القضائية المأذون له أو المناب الإكتفاء بأساليب التحري الأخرى للكشف عن الجريمة و وجمع الأدلة، فإنه لا يخاطر بنفسه ولا يستخدم التسرب كأسلوب للتحري.كما أن هذا الأسلوب مقيد  وفقا لمبدلأ الملائمة لسلطة النيابة العامة أو قاضي التحقيق حسب نص المادة65مكرر11  التي تنص على أنه: " ... يجوز لوكيل الجمهورية أو لقاضي التحقيق بعد إخطار وكيل الجمهورية أن يأذن تحت رقابته حسب الحالة بمباشرة عملية التسرب.

ثانيا/ الشروط الإجرائية:

يجب أن يتم هذا الإجراء بموجب إذن مكتوب ومسبب صادرعن الجهة المختصة ممثلة في شخص السيد وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق، يتضمن طبيعة الجريمة محل التحري التي تستوجب اللجوء إلى هذا الإجراء ، وهوية ضابط الشرطة القضائية المسؤول عن عملية التسرب، مع تحديد مدة عملية التسرب بحيث لا تتجاوز 04 أشهر قابلة للتجديد، وبعد الإنتهاء من إجراءات التحري يتم إيداع الإذن بملف المتابعة.

ويجب أن تسند هذة المهمة إلى ضباط الشرطة القضائية و أعوانهم بشكل عام و المسخرون بشكل خاص

تحت مسؤولية ضابط الشرطة المأذون له أو المناب،الذي يحررتقارير مكتوبة تتضمن كل المعطيات والمعلومات المتعلقة بكل مرحلة من مراحل التسرب وما توصلت إليه التحريات وجمع الأدلة حول المشتبه فيهم أو المتهمين بذكر أسمائهم وهوياتهم ومحيطهم الإجرامي.

 

 

انتهى بعون الله.



 


تهدف إلى اطلاع الطالب على الأسس الفعلية التي تتبع في تنفيذ العقوبة داخل المؤسسات العقابية وبما يتمشى مع المواثيق الدولية والتي تستهدف غرض الاصلاح والتأهيل باعتباره الهدف الأمثل في تنفيذ العقوبة و يعَد علم العقاب فرعًا من علم الإجرام، ويتناول فلسفة مختلف المجتمعات وممارساتها في محاولاتها لقمع الأنشطة الإجرامية، وإرضاء الرأي العام عبر نظام معاملة مناسب للأشخاص المدانين بارتكاب جرائم جنائية.

محاور الدراسة:

محتوى المادة
أولا:المقصود بعلم العقاب وموضعه من القانون الجنائي
التعريف والخصائص -
نشأة علم العقاب وتطوره -
علاقة علم العقاب بالعلوم الجنائية الأخرى ) علم الإجرام ، قانون العقوبات ، قانون الإجراءات الجنائية( -
ثانيا: فلسفة الحق في العقاب في المجتمعات القديمة
ثالثا: الحق في العقاب في الفلسفات العقابية الحديثة
رابعا:المنهج التشريعي الجزائري في تقرير الجزاء الجنائي
خامسا: المؤسسات العقابية
سادسا: النظم البديلة للعقوبة

مقياس قانون الوقاية من الفساد ومكافحته

محاضرات موجهة لطلبة  الماستر 2 تخصص قانون جنائي و علوم جنائية

المحاضرة الأولـــــــــــــــــــــــــــى:

مقرر المقياس :

المحور الأول / الإطار المفاهيمي للفساد

     - ماهية قانون الفساد

-         تعريف الفساد

-         أسباب الفساد

-         أنواعه

المحور الثاني/ التدابير الوقائية في القطاع العام والخاص

-         الكفاءة و النزاهة في التوظيف

-         التصريح بالممتلكات 

-         مدونات قواعد سلوك الموظفين العموميين                                                                                            

-         الشفافية في إبرام الصفقات العمومية

-         الشفافية في تسيير الأموال العمومية

-         الشفافية في التعامل مع الجمهور

-         التدابير المتعلقة بسلك القضاة

-         تعزيز الشفافية والتدقيق الداخلي لحسابات القطاع الخاص

-         إحترام معايير المخاسبة المعمول بها

-         مشاركة المجتمع المدني

-         تدابير منع تبييض الأموال

المحور الثالث/ الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته

-         النظام القانوني

-         إستقلالية الهيئة

-         مهامها

-         صلاحياتها

-         علاقتها بالسلطة القضائية

 

المحور الرابع/ التجريم و العقاب وأساليب التحري

   1 / التجريم والعقاب   

     - جريمة الرشوة

-         الامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية

-         جريمة الإختلاس

-         جريمة الغدر

-         جريمة الإعفاء غير القانوني في الضريبة والرسم

-         جريمة إستغلال النفوذ

-         جريمة إساءة إستغلال الوظيفة

-         جريمة تعارض المصالح

-         جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية

-         جريمة عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات

-         جريمة الإثراء غير المشروع

-         جريمة تلقي الهدايا

-         جريمة التمويل الخفي للأحزاب

-         جريمة الرشوة في القطاع الخاص

-         جريمة إختلاس الأموال في القطاع الخاص

-         جريمة تبييض العائدات الإجرامية

-         جريمة الإخفاء

-         جريمة إعاقة السير الحسن للعدالة

-         حماية الشهود والخبراء والمبلغين والضحايا

-         البلاغ الكيدي

-         عدم الإبلاغ عن الجرائم

2- أساليب التحري الخاصة

المحورالخامس/ دور المنظمات الدولية في التصدي لهذه الظاهرة

-         اتفاقية الأمم المتحدة

-         منظمة الشفافية الدولية

 

 

المحاضـــــــــــــــــرة الثانيـــــــــــــــة:

المحور الأول / الإطار المفاهيمي للفســـــــــــــاد

أولا/مبررات و غايات قانون مكافحة الفســــــاد

   من الأسباب الجدية لتشريع قانون 06-01 رغم وجود ظاهرة الفساد من قبل، هو توقيع الجزائر على اتفاقية الأمم المتحدة للوقاية من الفساد ومكافحته المبرمة في21/10/2003  ، مما حتم على المشرع الجزائري أن يوافق القوانين الداخلية بهذه الإتفاقية الدولية باعتبارها تسمو على الدستور و على باقي التشريعات العادية ، فحينما وقعت الجزائرسنة 2004 أضحى من الواجب أن تقر هذا القانون وفقا للضوابط الواردة بالإتفاقية .

 و لكن لماذا وقعت الجزائر أصلا على هذه الإتفاقية ؟ هل لحاجتها لهذا التشريع ؟ فإذا كان الأمر كذلك فهي دولة سيادية بمقدورها أن تشرع كما تشاء، و متى تشاء دون الحاجة لاتفاقية دولية تلزمها للتشريع الحتمي لمثل هذه القوانين :

الجواب عن هذا السؤال يتضح من خلال طبيعة العلاقات الدولية القائمة ، نجد أن كل دولة تسعى نحو إعطاء صورة على أنها دولة ديمقراطية قانونية تؤمن بمبدأ الشرعية و مبدأ مسايرة العولمة التشريعية

   كما أن المجتمع الجزائري بتراكمات ضروف معينة أضحى مجتمعا إتكاليا، و أضحت مظاهر الفساد ظاهرة للعيان سواء تعلق الأمر بالفساد الأداري أو الفساد المالي أو الفساد الأخلاقي، مما حتم على السلطة التشريعية التدخل وفقا لسياسة جنائية خاصة وذات امتداد دولي للوقاية من هذا الفساد ومكافحته .

وقد حصر المشرع الجزائري جرائم الفساد في جرائم معينة ،وحدد الأحكام و الضوابط و الشروط الخاصة بها ،فأعطاها أهمية أكثر من غيرها من الجرائم ، وكيف كل جرائم الفساد كجنحة وغلظ  في عقوبتهاو ذلك لتسريع إجراءات المتابعة والمحاكمة التي يمتاز بها قسم الجنح مما يسهل التصدي لهذه الظاهرة الإجرامية. 

 

         

                                                                                                                    

ثانيا/ماهية قانون الوقاية من الفساد و مكافحته:

في الأصل نجد أن هذا القانون تم تشريعه في ظروف ارتبطت بحدث دولي مهم كما سبق ذكره، يتعلق بالاتفاقية التي أبرمتها هيئة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في 2003/10/21 ،و التي صادقت عليها الدولة الجزئرية بموجب المرسوم الرئاسي رقم 128/04 المؤرخ في 2004/04/19 مما رتب من باب الوجوب أن تقوم السلطة التشريعية بإصدار قانون يتلاءم مع الاتفاقية المصادق عليها ،فصدرهذا القانون رقم 01/06 في 2006/02/20 و الذي هومعدل و متمم.

و هذا القانون من حيث محتواه يتطابق مع محتوى و منهج اتفاقية الأمم المتحدة ، فلم يعرف الفساد بل حدد صوره و مظاهره في النطاق التجريمي للوقائع و أوردها في الباب الرابع منه ،.

1- محاور إتفاقية هيئة الأمم المتحدة للوقاية من الفساد و مكافحته           

تتضمن هذه الإتفاقية 71 مادة موزعة على 08 فصول هي :

الفصل الأول :

أحكام عامة من لمادة 01 إلى المادة 04

الفصل الثاني :

التدابير الوقائية من المادة 05 إلى المادة 14

الفصل الثالث :

التجريم و إنفاذ القانون من المادة 15 إلى المادة 42

الفصل الرابع :

التعاون الدولي من المادة 43 إلى المادة 50

الفصل الخامس :

إسترداد الموجودات ن المادة 51 إلى المادة 59

الفصل السادس :

المساعدة التقنية و تبادل المعلومات من المادة 60 إلى المادة 62

 

الفصل السابع :

آليات التنفيذ من المادة 63 إلى المادة 64

الفصل الثامن :

أحكام ختامية من المادة 65 إلى المادة 71

2- محاور قانون الوقاية من الفساد و مكافحته رقم 06/01 المعدل و المتمم الصادر في 20 فيفري2006                                                                      

الباب الأول :

أحكام عامة من المادة 01 إلى المادة 04

الباب الثاني :

التدابير الوقاية من المادة 05 إلى المادة 16

الباب الثالث :

الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته من المادة 17 إلى المادة 24

الباب الرابع :

 التجريم والعقوبات واساليب التحري من المادة 25 إلى المادة 56

الباب الخامس :

التعاون الدولي من المادة و إسترداد الموجودات من المادة 57 إلى المادة 70

الباب السادس :

أحكام مختلفة وختامية المادة 71.

 

 

 

 

3- تعريف الفساد

المشرع لما تكلم عن الفساد لم يعرفه بنص القانون ،مما يجعل تعريفه يتداول بين فقهاء القانون و العلوم الإنسانية الأخرى ،الذين عرفوه  على أنه ذلك :"العمل غير المشروع المخالف للقانون بقصد الإضرار بمصلحة عامة أو حتى خاصة ، يدخل في نطاقها الشخصي عنصر الموظف" .

4- أنواع الفساد/

يتنوع الفساد و يتشكل في مظاهر عدة ، فهناك الفساد السياسي و الفساد الإجتماعي و الفساد الإقتصادي   والفساد الأخلاقي و الفساد الثقافي و الفساد القضائي و الفساد الإداري و الفساد المالي ، و الذي أدى إلى انتشار الفساد وكان الوسيلة لشيوعه حسب إعتقادنا هو الفساد المالي و يليه الفساد الإداري .

أ-الفساد المالي : يقصد به كل ما يتعلق بالمخالفات والتجاوزات لقواعد و أحكام  المنظومة المالية التي تسير بها أجهزة الدولة و مؤسساتها المالية ،و كل ما يعيق عمل الهيئات المختصة بالرقابة المالية مما يتيح و يسهل ارتكاب الجريمة كتبييض الأموال و التهرب الضريبي و تزوير النقود.

ب-الفساد الإداري: يتعلق الأمر بالإدارة و الوظيفة العمومية ، فكل تجاوز صادر عن الموظف العمومي خلال قيامه بمهامه المنصوص عليها قانونا يعتبر في نظر القانون فاسدا إداريا ، و سوف نركز على هذا النوع باعتباره مرتبطا بنفوذ الموظف العمومي.

5- أسباب الفساد/

أ-أسباب الفساد الإداري: له عدة أسباب منها :

- سوء التنظيم الإداري داخل المرافق العمومية ، مع التسيب و التقليل من شأن طبيعة الوظيفة المنوطة بصاحبها ، دون الخضوع للظابطة الإدارية التي تؤسس على مبدأ الرئيس و المرؤوس ، و كذلك الجهل بصلاحيات الموظف و مهامه و أهداف وجوده داخل المرفق العمومي .

- كثرة عدد الموظفين داخل المصالح الإدارية مما كرس ما يسمى بالبطالة المقنعة ، فحينما نجد أن المرفق العمومي و المؤسسات المالية تعاني من الزيادة الكبيرة في عدد الموظفين دون وجود نشاط معين يقومون به ،مما أدى إلى تداخل الصلاحيات فيما بينهم و عدم ضبط المسؤوليات فلجأ بعضهم إلى تقديم الخدمة بمقابل غير مستحق.

- تعقد الإجراءات الإدارية التي تشترطها المرافق العمومية، مما ولد ما يسمى بالبيروقراطية الإدارية  فأصبحت كل المسائل البسيطة إداريا تتطلب لإستصدارها و إتمام معاملاتها الكثير من الأوراق الرسمية ، مع تباعد الإدارات العمومية فيما بينها مما حتم على البعض من الأشخاص يلجأون إلي أساليب غير مشروعة لقضاء مصالحهم.

ب-الأسباب القانونية و القضائية للفساد الإداري :

حينما درسنا مبررات التشريع وجدنا أن النصوص القانونية يتم تشريعها لتحقيق مصلحة ما على أن تكون عامة ومجردة ، و يقوم بتنفيذها الجهاز القضائي الذي يسعى لتحقيق العدالة وحماية الأشخاص من تعسف الإدارة أو الأشخاص ، لكن أحيانا نجد أن النظام القانوني و الجهاز الإداري القضائي قد يكون سببا لشيوع الفساد الإداري للأسباب التالية :

- كثرة التشريعات المتعلقة بسير الإدارة العامة: بمعنى أن هناك الكثير من التشريعات و خاصة الفرعية منها التي تصدر عن الجهة المختصة بشكل مسرف دون تحقيق غايتها لأنها تصاغ صياغة غامضة و أحيانا تتعارض حتى مع القوانين الأسمى منها، فيتم تعديلها مرة أخرى و في وقت قصير من تاريخ نفاذها مما يجعلها عاجزة عن تحقيق الغاية من تشريعها.

-  عدم تنفيذ القانون: بعض الإدارات العامة و هيئاتها رغم وجودية أحكام و ظوابط تستند لنص قانوني، إلا أنها تمتنع عمدا عن تطبيقها لأسباب تتعلق بمصالح جد خاصة، و بذلك تضيع حقوق الناس.

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الثالثــــــــــــــــة:

 المحور الثاني/  *التدابير الوقائية لجرائم الفساد في ضوء قانون 01/06 المعدل والمتمم

لقد عنون المشرع الجزائري القانون برمته على أساس قانون الوقاية من الفساد و مكافحته و ذلك مطابقة مع اتفاقية الأمم التحدة لمكافحة الفساد .

و جاءت التدابير الوقائية قبل التدابير الردعية المرتبطة بالجريمة و العقاب نظرا لإرتباط هذه التدابير بتلك الأسباب التي ذكرناها سابقا المؤدية إلى نشوء ظاهرة الفساد ،فالتدابير الوقائية هي في الأصل مجموعة من الإجراءات و الوسائل المنصوص عليها قانونا لتجنب وقوع الجريمة ، فإذا ما وقعت الجريمة حينئذ ندخل في نطاق الجزائية و إقرار العقوبات.

و هذه التدابير أوردها المشرع في باب الثاني من القانون و جاءت بعنوان التدابير الوقائية في القطاع العام ثم التدابير الوقائية في القطاع الخاص .

أولا : التدابير الوقائية في القطاع العام :

لقد أعطى المشرع الجزائري أهمية كبيرة للقطاع العام لإرتباطه بالمصلحة العامة للدولة و هيئاتها ،فخصه بمجموعة من التدابير الخاصة بالتوظيف و بالصفقات العمومية و بالقضاء ،و التي يمكن تحليلها كما يأتي:

1.    في مجال التوظيف في القطاع العام :

 لقد نصت المادة 3 من القانون أعلاه وجوبية مراعاة بعض الضوابط في مجال التوظيف في القطاع العام ، و حتى في مجال المتابعة المستمرة لأعمال و نشاط الموظف العمومي ،فنص المشرع على احترام المعايير الموضوعية مثل الجدارة و الكفاءة و المؤهلات العلمية لإختيار الموظف ،مع الأخذ بمبادىْ النجاعة و القدرة على التسيير ، على أن تكون المناصب المالية المطلوبة معلنا عنها للجمهور بكل شفافية .

كما أوجب المشرع بعضا من الشروط الخاصة حتى يتمكن الموظف من تولي منصبا يتصف بأنه أكثر عرضة للفساد ،  كالنزاهة و الخلق الحسن ،وعدم ارتكاب لأي جنحة أو جناية تتعلق بالفساد أو بالشرف مع خضوعه لإختبارات انتقائية ، فإذا تم توظيفه يراعى الجانب المالي الذي يخصص له كأجر بحيث يكون ملائما و يفضي عليه حماية خاصة من الفساد، و يتابع هذا الموظف بتكوين مستمر وفقا لبرامج تعليمية تعطيه القدرة على مواكبة كل المستجدات المرتبطة بوظيفته و تجعله أهلا لأدائها بالشكل الصحيح و السليم.

2- التصريح بالممتلكات:

 لقد قيد المشرع الجزائري في هذا الشأن بعضا من الوظائف بوجوبية التصريح بالممتلكات ،فنصت المادة 4 من ذات القانون على ذلك و ألزمت الموظف العمومي بها ،بحيث يقوم بإكتتاب تصريح بممتلكاته خلال الشهر الموالي لتاريخ تنصيبه أو لبداية عهدته الانتخابية ،مع تجديد هذا التصريح حينما تكون هناك زيادة مالية معتبرة في ذمته بذات النموذج الخاص بالتصريح بالممتلكات،و يجب عند نهاية الوظيفة أو العهدة الإنتخابية أن يصرح كذلك بممتلكاته.

  - محتوى التصريح بالممتلكات:

نصت المادة 5 من ذات القانون على أن هذا التصريح يحتوي في مضمونه على جرد لكل الممتلكات الداخلة في الذمة المالية للمصرح ،وحددت الامتداد من حيث نطاقها الشخصي حتى لأولاده القصر في الجزائر أو خارج الجزائر ،و تشتمل على الأملاك العقارية و المنقولة، و يتم تحريرها طبقا للنموذج المحدد عن طريق التنظيم يملأ من قبل المصرح و حسب الكيفيات التالية .

    كيفيات التصريح بالممتلكات:

نصت عليها المادة 6 من ذات القانون ،وحددت الجهات المختصة التي تتكفل بهذه التصريحات فالتصريح بالممتلكات الخاصة برئيس الجمهورية و أعضاء البرلمان بغرفتيه و رئيس المجلس الدستوري و أعضائه و الوزير الأول و أعضاء الحكومة و رئيس مجلس المحاسبة و محافظ بنك الجزائر و السفراء و القناصلة و الولاة ،يكون أمام الرئيس الأول للمحكمة العليا ، و يتم نشره في الجريدة الرسمية خلال الشهرين المواليين لتاريخ انتخابهم أو تاريخ استلام مهامهم.

أما الرؤساء و أعضاء المجالس الشعبية المحلية المنتخبة فيتم التصريح أمام الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته ، و يتم نشره عن طريق التعليق في لوح الإعلانات بمقر البلدية أو الولاية و ذلك خلال شهر من إنتخابهم.

أما القضاة فيصرحون بممتلكاتهم أمام الرئيس الأول للمحكمة العليا ،مثلهم مثل فئة الأولى التي ذكرناها.

أما باقي موظفي القطاع العام فيخضعون في تصريحاتهم للتنظيم المتعلق بقطاعاتهم.

3- مدونات قواعد سلوك الموظفين العموميين:

نصت عليها المادة 7 و 8 من ذات القانون حيث أكد المشرع على وضع مدونات و قواعد سلوكية تتحدد بموجبها الضوابط و الأطر التي يجب على الموظف العمومي احترامها و عدم خرقها ، مما يشجع على النزاهة و الأمانة و روح المسؤولية بين الموظفين و المنتخبين ، و هذا يؤدي بدوره إلى جعل طبيعة العمل تتميز بالجدية و الموضوعية و القبول.

   وعلى هذا الأساس نجد من أمثلة هذه المدونات مثلا النظام الداخلي للجامعة ، ميثاق الطالب ، ميثاق الأستاذ، فهي تتميز بمخاطبة الضمير الأخلاقي للفرد و تنبيهه في ذات الوقت للقيام بمهامه الوظيفية .

وقد أوردت المادة 8 من باب الوجوب على الموظف العمومي إخبار سلطته الرئاسية في أي شأن يكون مسؤولا عنه و يتعارض مع مصالحه الشخصية ، أو قد يتولد عنه شبهة الفساد أو التحيز.

4- التدابير المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية:

أحاط المشرع الجزائري الصفقات العمومية رغم وجودية قانونها الخاص بها بمجموعة من التدابير الوقائية بنص المادة 9 من ذات القانون ، و تتعلق بقواعد الشفافية و المنافسة الشريفة مع احترام المعايير الموضوعية و خاصة مبدأ علنية المعلومات المتعلقة بإجراءات إبرام الصفقات العمومية،و الإهتمام أكثر بالإعداد المسبق لشروط المشاركة و الإنتقاء و كيفية ممارسة الحق في الطعن في حالة عدم احترام قواعد إبرام الصفقات العمومية ،و عموما فإن المشرع حاول تدعيم قانون الصفقات العمومية بإعادة التأكيد عليها في هذا القانون ، بل أنه جرم الامتيازات الغير مبررة في مجال الصفقات العمومية و كذا الرشوة في نطاقها  وعاقب عليها بعقوبات مغلظة.

5- التدابير المتعلقة بتسيير الأموال العمومية :

جاءت المادة 10 من ذات القانون ببعض التدابير اللازمة لتسيير الأموال العمومية و خاصة في إعداد ميزانية الدولة و تنفيذها ، فأضحت كل المؤسسات تخضع لنظام المحاسبة تحت رقابة ذوي الاختصاص من محافظي الحسابات الذين يعدون التقرير الأدبي و المالي لهذه المؤسسات المالية الاقتصادية عند نهاية السنة المالية.

   أما الإدارات العمومية فتخضع لمجالس محاسبة خاصة بها، و هذا ما أكدته المادة 11 من وجوبية إضفاء الشفافية في التعامل مع الجمهور باعتماد إجراءات سهلة بسيطة يمكن للأفراد من خلالها الحصول على كل المعلومات دون أي تعقيد أو بيروقراطية ، مع تبسيط الإجراءات الإدارية و القيام بتحسيس المجتمع على ثقافة الشكوى الكتابية مع الرد عليها ، و كذلك حينما تتخذ الإدارة العمومية أمرا أو قرارا يخالف مصلحة المواطن يجب أن يكون قرارها مسببا مع التنويه بحق الطعن فيه و الجهة المختصة لدراسة هذه الطعون.

  6.التدابير المتعلقة بسلك القضاء: نصت عليها المادة 12 و ركزت على وجوبية الإلتزام بالقانون المتعلق بمهنة القضاة و الإلتوام بالتنظيمات الداخلية لهذا السلك المهم في إرساء العدالة بين أفراد المجتمع.

7- تدابيرمشاركة المجتمع المدني:

    ومن ضمن التدابير التي نضمها المشرع الجزائري ما نصت عليه المادة 15 بتشجيع مشاركة المجتمع المدني في محاربة ظاهرة الفساد ،و ذلك بتعزيز مبدأ المشاركة في تسيير الشؤون العمومية و كذلك في إعداد البرامج التعليمية و التربوية و التحسيسية، مع تمكين وسائل الإعلام و الجمهور من الحصول على المعلومات المتعلقة بالفساد دون المساس بحرمة الحياة الخاصة و الأمن الوطني و النظام العام و حياد القضاء.

8- تدابير منع تبييض الأموال:

 كما نصت المادة 16 على الماصرف و المؤسسات المالية غير المصرفية بما في ذلك الأشخاص لطبيعية أو الإعتبارية الذين يقدمون خدمات نظامية في مجال تحويل الأموال، أن تخضع لنظام الرقابة الداخلية الذي من شأنه كشف كل أشكال تبييض الأموال و منعها و التصدي له

  ثانيا: التدابير الخاصة بالقطاع الخاص:

نصت المادة 13 على إتخاذ مجموعة من التدابير لأجل منع القطاع الخاص من الوقوع في الفساد أو الإشتراك فيه وقد نص المشرع على أنه عند الإقتضاء قد توقع جزاءات تأديبية وحتى ردعية في حالة تجاوز القوانين في هذا القطاع ،و حدد هذه التدابير فيما يلي :

1-   تعزيز التعاون بين الهيئات التي تقوم بالكشف و القمع مع مؤسسات القطاع الخاص المعنية.

2-   وضع مدونات تحدد قواعد السلوك في إطار القطاع الخاص حتى يتسنى لهذا الأخبر العمل في إيطارالنزاهة و الشفافية.

3-   الوقاية من سوء استعمال السلطة و عدم سلامة الإجراءات في تنظيم القطاع الخاص.

4-   وجوبية التدقيق الداخلي للحسابات بحيث تساهم في الوقاية من الفساد و تمنع مسك حسابات خارج

الدفاتر الرسمية للمؤسسة ،أو إجراء معاملات دون قيدها في الدفاتر الخاصة بها ،أو تسجيل نفقات وهمية أو قيد إلتزامات مالية دون توضيح غرضها بشكل كاف، أو استخدام مستندات مزيفة أو الإتلاف العمدي لمستندات المحاسبة.