المقياس : قصيدة النثر العربي .

المستوى : ماستر 2.

المحاضرة الأولى : مدخل ( عوامل وظروف نشأة النهضة العربية الحديثة ).

مدخل تاريخي :

 

توطئة  : 

    لقد ظل الشعر العربي في فترة ما قبل النهضة يدور في حلقة مفرغة ضيّقة
فموضوعاته لا تمس الشعر بلغته المتميّزة ، ولا حياة الناس تبعا لبيئته التي عرفت الوهن والانحطاط  ، فكان من النقاد من اطلع عليه فتمّ تصنيفه ضمن عصر الضعف والانحطاط نتيجة لغته الركيكة وأساليبه المفككة ومضامينه غير الهادفة ، وأمام هذه الانتكاسة كان للنهضة الأوروبية دورا لإحداث نهضة عربية لتتبعها نهضة فكرية وأدبية ، فكانت الجذور الأولى لبداية النهضة في العالم العربي بداية من القرن التاسع عشر وصولا للقرن العشرين ، فبرزت حركة تجديدية  للشعر مع رائد الإحياء محمود سامي البارودي بوصفه الأب الفعلي الداعي لتجديد التراث الأدبي والنّهوض باللغة الشعرية آنذاك .

               لقد تنوّعت الأغراض الشعرية للشاعر سامي محمود البارودي باعثة صور الإحياء لغويا وفكريا إذ اعتمدت القصيدة الإيحائية عنده على التقليد المؤسس على النهل من قاموس اللغة العربية الثري بمفرداته كما تم ّ الاعتماد على البحور العروضية كما جاء بعده شعراء أمثال أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومعروف الرصافي وغيرهم ،  وقد كان معروف على أحمد شوقي لقبه الشهير بأمير الشعراء إذ كان مقلدا لكنّه ليس كتقليد سامي البارودي إذ كان فأدخل شعر الأمثال ، المسرح كما كان المسرح مهتما بالديباجة وأدخل الشعر

فأدخل شعر الأمثال وأدخل الشعر على لسان الحيوان ، كما اهتمّ بالشعر السياسي .

       إن ذكر الصّحوة النّهضوية كان  بهدف التمهيد الموجز لتبيان حركة اليقظة بعد الخمول لتتبعها حركات تجديدية لبروز مدارس أدبية عملت على إدخال روح التّجديد على الشعر العربي ليدخل مرحلة المعاصرة تبعا للمستجدات الجديدة ومواكبة العصرنة المستحدثة ،

وسنقف على نشأة الشعر العربي المعاصر من خلال تبيان البدايات الأولى للنشأة ثمّ لمحة موجزة عن تجربة الشعر الحرّ وخصائصه المميّزة عن غيره.

أولا- البدايات الأولى لنشأة الشعر العربي :

يمكن اعتبار المعاصرة  تعبيرا عن النتاج الفكري للحالة الزمانية الحاضرة  ولا يمكن الظن  أنها مجرد انتماء للزمان بل هي ذات خصوصية وتميز ، فلكل أمة طريقة خاصة في معايشة العصر والتفاعل معه ، انطلاقا من ذلك ونتيجة ضرورة التحوّلات نتيجة ما تفرضه الظروف الراهنة ، فلقد تداخل مصطلح الحداثة مع المعاصرة كما خاض الكثير من النقاد التعريف به لكننا سنأخذ  برأي  واحد من الذين تناولوه فالمعاصرة عند - العقاد - وجدانية  رومانسية تبتعد عن التشابه والتقليد والمحاكاة والتفاوت في الأساليب ، فهي عنده في الاستقلال  والاستقلال دليل الطبع والحياة وعنده أن المعاصرة تعني أن يكون للشاعر طريقة تتناسب وروح العصر (1) .

     ولما كانت الساحة الأدبية تتأثر بالمؤثرات وتصطبغ بما هو دعوة للتجديد كاشفة رغبتها في المسايرة والتخلص من ربقة التقيد بالقديم ، وأمام ذلك برز ما يعرف بالشعر المعاصر راسما دربا جديدا من دروب ما تفرضه العصرنة من مستجدات تتطلب المواكبة ، فكان بذلك ( استجابة طبيعية لمرحلة إنسانية مأزومة ، إشكالية من حيث أبعادها  الفكرية والجمالية ، فهو وجود يكشف الإنسان في قلقه وشقائه وعبثه وتمزقه وفوضويته وانكساره وإحباطاته ) (2)

ونتيجة التحوّلات الحاصلة  يصطبغ  - الشعر المعاصر- من خلال قضاياه بروح العصر نتيجة ما يفرزه من تناقضات تحمل ضرورة التغيير من حيث الشكل والمضمون ، وعليه كان ( الشعر المعاصر هو الصياغة الفنية لروح الحضارة التي شملت جوانب الحياة المختلفة وإنّه الموقف الذي ينبغي أن تتحدد أبعاده أمام المدّ  الحضاري المتنوّع ) (3) ونظرا لخصوصية الشعر المعاصر وما صحبه من رياح للتغيير ، فقد هبّت أول عاصفة للتغيير من خلال كسر عمود الشعر المتعارف عليه منذ القديم إذ كانت ولادة  نشأة القصيدة المعاصرة  مع نازك الملائكة التي قررت في مقدمة ديوانها ( شظايا ورماد) ، وفي مقال نشرته في مجلة (الآداب) سنة 1962م أنّها هي أوّل من ابتكر هذا الشعر الحديث الذي يتحرر من القالب العروضي المسبق ، ومن القوافي القائمة على روي واحد يتكرر من مطلع القصيدة إلى أخر بيت فيها ،  وأن قصيدتها ( الكوليرا ) هي أوّل قصيدة من هذا الشعر وكانت قد نظمتها في 27 تشرين  أوّل أكتوبر 1947م ونشرتها  في مجلة العروبة ببيروت قبل أن تنشر مرة ثانية في الديوان 4)) .

المراجع المعتمدة  :

- (1) ينظر :ديوان المازني ، ( الجزء الأول ) ،  مطبعة البوسفور ، دت ، ص ك.

- (2)  عبد الناصر هلال ، آليت السرد في الشعر العربي المعاصر ،  مركز الحضارة العربية ، ط1 ،القاهرة ،  مصر ، 2006 ،  ص 31.

- (3) إبراهيم خليل ، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث ، دار المسيرة ، ط1 ، عمان ، الأردن ،1424 ه /2003م ، صر268.

- ( 4) ينظر إبراهيم خليل ، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث ، دار المسيرة ، ط1 ، عمان ، الأردن ، 1424ه /2003م ، ص 268 .