**********مدخل إلى الأدب الصوفي:
تمهيد:
شهد الأدب الصوفي تطورًا ملفتًا تجلّى في أشكال تعبيرية جديدة جمعت بين العقائد والأديان وأفكار مختلفة انسجمت مع إيقاع الحياة الإنسانية. وقد تمكن هذا النوع من الأدب من صياغة اتجاه فني متفرد أتاح للأدباء والشعراء التعبير عما يفيض في أرواحهم من تجليات إلهية وتصورات عن الوجود باستخدام رموز متنوعة. فجادت أقلامهم بأشعار عذبة وسلسة تعكس تجاربهم الروحية الخالصة، كما اتسم النثر لديهم بالتنوع بين الدعاء، التهجد، الوعظ، والمناجاة. بهذا، أصبح التصوف رسالة روحية تربط بين الخلق والخالق، وأيضًا رسالة جمالية اتسمت بخصائص فنية مميزة في خطاباته.
يعد التصوف أحد المباحث الأساسية التي يتناولها الفكر الإسلامي جنبًا إلى جنب مع علم الكلام والفلسفة والفكر العربي المعاصر. وقد نال اهتمامًا كبيرًا من مختلف الباحثين تبعًا لاتجاهاتهم الفكرية وميولهم المعرفية. ازداد هذا الاهتمام خاصة بعد أن أثار التصوف بين المتصوفة جدلاً واسعًا ومواقف متباينة شديدة التناقض على صعيدي الأفكار والسلوك.
أ-مفهوم التّصوف
: ب-لغة
: تعددت الآراء واختلفت التعريفات حول أصل تسمية التصوف واشتقاقها اللغوي. يرى البعض أن الكلمة مشتقة من "الصوف" الذي يشير إلى الصوف المشهور. في الاشتقاق اللغوي، يُطلق على الكبش "أصوف" أو "صائف"، حيث يتميز بكثرة الصوف، والصوفة تخصّ الشاة. أما صوفة، فهي اسم لرجل من القبائل العربية القديمة (قوم صوفة) الذين خدموا الكعبة في الجاهلية وقاموا بإجازة الحجاج. هناك أربعة تفسيرات رئيسية لأصل كلمة التصوف: 1. النسبة إلى "صوفة"، حيث ارتبط اسمهم بالخدمة والعبادة. 2. النسبة إلى الصوف، باعتباره زيًا بسيطًا اشتهر به بعض الزهاد، رغم أن ارتداءه لم يكن قاعدة شاملة لكل الصوفية. 3. الاشتقاق من الصفاء، للدلالة على نقاء القلوب وصدق النوايا أمام الله، حيث يُكرم المخلصون ويُصطفون. 4. اشتقاق الكلمة من الكلمة اليونانية "سوفيا"، التي تعني الحكمة، ثم خضعت للتعديل على النطق العربي لتصبح "صوفية". اصطلاحًا: التصوف هو تجربة روحية خاصة يعيشها الصوفي، تتميز بسمات فريدة تجعلها مختلفة عن غيرها من الأحاسيس الإنسانية. يسعى التصوف إلى كشف حكمة الله في جوانب الحياة المختلفة ومظاهر رحمته في الكون، وهو تعبير عن تأمل جمال الخلق وشهود جلاله بغية ارتقاء القلب والروح نحو السمو الأعلى. يمكن اختزال مفهوم التصوف في الأحرف الأربعة: - التاء: توبة. - الصاد: صفاء. - الواو: ولاية. - الفاء: فناء
*****************مراحل التصوف************
: يمكن تقسيم رحلة التصوف إلى ثلاث مراحل أساسية:
1. مرحلة الزهد: بدأ التصوف الإسلامي مع الزهاد والأتقياء الذين اعتكفوا في المساجد وتفرغوا لعبادة الله وتنفيذ أوامره وتجنب معاصيه، مقتدين بحياة النبي صلى الله عليه وسلم نموذجًا للزهد والتقوى.
.2 مرحلة التصوف السني: تميزت هذه المرحلة بالالتزام التام بأوامر الله والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، مع ترك مظاهر الدنيا مثل المال والجاه والمباهج المادية، والانصراف نحو مراقبة أفعال القلب وتنقيته للوصول إلى النجاة من عقاب الله. هذه المرحلة تتضمن
مجاهدة التقوى:
ترك الدنيا وتصحيح أفعال القلب. - مجاهدة الاستقامة: مقاومة شهوات النفس بالصيام والقيام. 3. مرحلة التصوف الفلسفي:
ظهرت هذه المرحلة مع اهتمام الصوفية بعلوم المكاشفة، حيث سعوا لمعرفة الله واكتساب حكمته والاطلاع على أسراره الكونية. التصوف في الأدب: عرف الصوفيون باسم الزهاد والنساك واشتهروا بكونهم أهل أدب وبيان. اهتم الجاحظ وغيرُه من الأدباء بتوثيق أقوالهم وتأملاتهم لأنها جمعت بين الأدب العالي والأخلاق الراقية. ظهر هذا جليًا عبر شذرات من أقوالهم التي توزعت بين التعبير الصادق عن الأخلاق والمعاني الأدبية المتميزة. كان الصوفيون أيضًا ملمين بالثقافة الأدبية، حيث اشتهر بعضهم بالحفظ والشعر والتعبير الأمثل عن أفكارهم بأسلوب بلاغي عميق. مفهوم الأدب الصوفي: يمثل الأدب الصوفي أحد ألوان الأدب الرفيع، إذ يحمل أسمى المعاني الروحية والأخلاقية. أنتجه الزهاد والصوفيون بمختلف اتجاهاتهم السنية والفلسفية، وهو يهدف إلى تهذيب النفس والروح من التعلقات الدنيوية وإدخال الطمأنينة فيها. يتناول الأدب الصوفي رحلة السالك نحو كشف أسرار النفس والطريق إلى الله، عاكسًا روحانية عالية تعبر عنها قصائد وأعمال فنية متعددة تحاكي القيم والمعاني النبيلة وتطلعات الروح البشرية نحو السمو والكمال
مراحل التصوف:
عند تتبع مسيرة الأدب الصوفي في تطوره وانتقاله إلى جمهور المتلقين، يتضح أنه مر بمراحل متعددة أثرت في كيفية إنتاجه وتطوره. لم يكن الأدب الصوفي وليد لحظة مكتملة أو ناضجة، بل كان نتاج عملية تطور طويلة ومعقدة، ولم يصل إلى المتلقي بطرق سهلة. كما أنه لم يكن معزولًا عن السياقات التاريخية والاجتماعية التي ساهمت في نشأته. يتفق الباحثون على أن جذور التصوف تعود إلى الزهد الذي تميز به النبي محمد ﷺ وصحابته الكرام والتابعين. وقد كان الزهد ظاهرة طبيعية نتيجة النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي حفّزت المسلمين على التمسك بالآخرة، ترك الانغماس في ملذات الدنيا الفانية، وتزكية النفس بالتوكل على الله، والخشية منه، والرجاء في رحمته وغفرانه.
أولاً: الشعر الصوفي انطلق الإرث الشعري الصوفي منذ القرن الثاني الهجري على يد الحسن البصري ومن جاء بعده من تلامذته. ويمكن تقسيم مراحل الأدب الصوفي إلى ثلاثة أطوار رئيسية:
. الطور الأول: يبدأ مع ظهور الإسلام ويمتد حتى منتصف القرن الثاني الهجري. يتمثل إرث هذه المرحلة في مجموعة من الحكم والمواعظ الدينية والأخلاقية التي ركزت على فضائل كثيرة، مثل التسليم بقضاء الله والتقشف والاجتهاد في العبادة والتقوى، وكانت هذه الفترة مرحلة تشكّل أوليّ للشعر الصوفي. ظهر الشعر خلال هذه الحقبة بشكل موجز ورمزي يعبر عن الزهد والورع. من أبرز شخصيات هذه المرحلة رابعة العدوية (185 هـ). 2
. الطور الثاني: يغطي القرن الثالث والرابع الهجري. شهدت هذه الفترة نهضة وازدهارًا في الشعر الصوفي، حيث تأثرت نتاجاته باندماج الثقافات العربية مع الثقافات الأخرى. بدأ خلالها التوسع في الفكر اللاهوتي وظهور تأثيرات الفلسفة نتيجة تطور علم الكلام. ومن أبرز الشعراء في هذا الطور أبو حمزة الخرساني (ت 290 هـ). كما أنها شهدت بروز شعراء عرب بارزين مثل المتنبي والشريف الرضي.
3. الطور الثالث: يشمل هذا الطور القرون الخامس والسادس والسابع ويستمر حتى منتصف القرن الثامن الهجري. ركّز الأدب الصوفي خلال هذه المرحلة على الحب الإلهي والمدح النبوي والشوق للمقدسات الإسلامية، مع الدعوة إلى الفضائل الإسلامية كجزء من رسالته الروحية. في هذا السياق، نشأ الأدب الفارسي وبرز فيه شعراء كبار مثل جلال الدين الرومي. كما نمت مكانة بعض الشخصيات الصوفية مثل السري السقطي (ت 251 هـ)، الذي كان رمزًا للمتصوفة في بغداد وربط بين التصوف والشريعة بقوله: "من علامات المعرفة بالله القيام بحقوق الله". مع نهاية العصر العباسي الثاني، ترسخت فكرة المعرفة الإلهية وحُب الله في ثقافة التصوف، كما اتضحت منزلة الصوفية كـ"أولياء الله". هذا العصر يُعتبر ذهبيًا للأدب الصوفي من حيث العمق الفلسفي والغني الشعري، حيث بلغ الشعر الصوفي ذروته مع أسماء مثل ابن عربي وابن الفارض في العربية وجلال الدين الرومي في الفارسية. وقد جاء الشعر الصوفي بعد مراحل سبقت انتشاره، مثل شعر الزهد والوعظ الذي برع فيه أبو العتاهية وشعر المديح النبوي. ثانيًا: النثر الصوفي النثر الصوفي كان ولا يزال بابًا واسعًا في الأدب الإسلامي، فهو انعكاس لتجارب وعقول مؤمنة مستغرقة في العبادة والتصوف منذ نشأته وحتى اليوم. خلال الفترة الممتدة من القرن الثاني إلى الرابع عشر الهجري، ترك الصوفيون إرثًا واسعًا من النصوص النثرية التي تجسدت فيها مصطلحات الشطحات الصوفية وأفكارهم العميقة. بدأ النثر الصوفي يكتسب هويته المميزة ويتشكل كسرد يمزج بين الروحانية العالية والتعبير الفني منذ بدايات حركة التصوف الأولى. بهذا يمكن القول بأن الأدب الصوفي، شعراً ونثراً، قد مر بتحولات كبيرة ورسّخ نفسه كرافدٍ مهم للثقافة الإسلامية باختلاف مراحلها الزمنية ومعطياتها الفكرية
*************مصادر ومنابع الأدب الصوفي:
مصادر الأدب الصوفي تشكّل الركائز الأساسية التي ألهبت خيال الشعراء والأدباء، وأسهمت في تطور التجربة الصوفية ونقلها عبر الأجيال. تتنوع هذه المصادر في طبيعتها بين النصوص الدينية والأدب الشعري بمختلف أشكاله، وهي كالتالي: القرآن الكريم والحديث النبوي: يتجذر التصوف في الإسلام، حيث يعتمد على تعاليمه وأسسه، مُستلهِمًا منه مفاهيم الزهد والسعي إلى النجاة في الآخرة. لجأ الصوفيون إلى التأويل لفهم النصوص الدينية بطرق عميقة ومبتكرة. وتبرز أعمال ابن عربي كمثال على هذا النهج، حيث اعتمد على آيات قرآنية لابتكار لغة مزدوجة تجمع بين ظاهر النص وباطنه. فعلى سبيل المثال، عند تفسير قوله تعالى: *"كل شيء هالك إلا وجهه"*، ذهب ابن عربي إلى أن "الوجه" يرمز إلى الذات الإلهية الخالدة، مقارنةً بالعالم المادي الزائل. الشعر الديني: يُعد الشعر الديني الإسلامي أول منابع الأدب الصوفي، وبرز منذ انطلاقة الدعوة الإسلامية. كان لشعراء مثل حسان بن ثابت وكعب بن زهير دور طلائعي في تمجيد قيم الإسلام وبطولات الغزوات ومدح النبي صلى الله عليه وسلم. لاحقًا، تطور هذا النوع إلى الشعر الزهدي الذي تميز برسوخه في الروحانية واهتمامه بفكرتي الموت وترك الدنيا. ارتبط هذا التحول بالحياة الروحية التي شجعت على الزهد والانقطاع للعبادة، مما أدى إلى ظهور قصائد تدعو إلى مقاومة مغريات الدنيا والتوجه الكلي لله. الشعر الغزلي: الغزل بنوعيه العذري والصريح يُعتبر مصدرًا هامًا للأدب الصوفي. فقد استعار الشعر الصوفي عناصر من الغزل العادي ليحوّلها إلى تعبير عن حب إلهي سامٍ. هنا أصبحت المرأة رمزًا للذات الإلهية في أعمال شعراء مثل ابن الفارض وابن عربي، حيث تم المزج بين الحب الإنساني والحب الإلهي باستخدام رموز غزلية تراوحت بين المادي والمعنوي. ويمكن رؤية هذا التوجه في أبيات أبي الحسن النوري التي تُظهر حبًا روحانيًا عميقًا لا يخلو من توظيف رمزي للمرأة كدلالة على المحبة الإلهية. من الجدير بالذكر أن العرب كانوا سابقين تاريخيًا لشعراء الفرس في إدخال الرمزية الغزلية في الأدب الصوفي. ففي أعمال ابن الفارض على سبيل المثال، نجد تمييزًا واضحًا بين الجمال الروحي الأبدي والجمال المادي العابر، مما عكس التصاقه بالمفاهيم الصوفية العميقة.
-الحلول والإتحاد
1- تعريف الحلول والاتحاد
أ- لغويًا:
الحلول في اللغة يشير إلى نزول القوم بمكان أو استقرارهم فيه. يُقال: حَلَّ بالمكان يَحُلُّ حُلولًا، وهو عكس الارتحال. كما أوضح الليث أن الحل والحلول والنزول معانٍ مترادفة. ورد هذا المعنى في بيت الشعر التالي للمثقب العبدي: أَكُلَّ الدهر حل وارتحال أما تبقي علي يقيني؟
ب-اصطلاحًا:
الحلول السرياني يُفهم على أنه اتحاد جسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، على غرار حلول ماء الورد في الورد. يُطلق على الساري "حالًّا" والمسرِي فيه "محلًّا". يستخدم بعض المتصوفة لفظ الحلول للدلالة على الصلة بين الرب والعبد أو اللاهوت والناسوت. وفق تصوراتهم، يعني هذا حلول الإله - تعالى الله - في أجساد فئات خاصة كالأولياء أو الأنبياء، مما يجعلهم يكتسبون بعض صفات الألوهية. أما الاتحاد، فهو رؤية الوجود الحق الواحد الذي بوجوده يكون كل شيء موجودًا، بحيث يفنى العبد في وجود الحق ويتحد معه، ليس بمعنى اندماج الأجساد، بل من حيث الفناء في الحق والغياب عن وجود الذات الفردية. 2- الحلول والاتحاد في الشعر: برز الشعر الصوفي كمسار يعبر عن الإلهي والمقدس دون أن يغرق في الخطابة التقليدية. هذا النوع من الشعر تجاوز مفهوم الدين الحرفي ليجسد دين الحقيقة مقابل دين الشريعة. فكرة الحلول والاتحاد ارتبطت بالأديان السماوية وخاصةً المسيحية، وكان الحلاج من أبرز من عبّر عنها شعريًا بسبب اعتناقه لفكرة وحدة الوجود. من أشعار الحلاج التي تعكس هذا المعنى: كتبت ولم أكتب إليك وإنما كتبت إلى روحي بغير كتاب ويؤكد المعنى ذاته في قوله: مُزِجَتْ روحُك في روحي كما تُمْزَجُ الخمرة بالماء الزلالْ فإذا مسّك شيء مسني فإذا أنت أنا لا نفترق من خلال هذه الأبيات، يظهر أن الحلاج يؤمن بفكرة الوحدة الكاملة بين المحب والمحبوب. يرى الصلة الروحية بينه وبين الله كالاتصال الجوهري بين الخلق وخالقهم. لكن هذه الفكرة المفعمة بالحب المطلق جعلت حياة الحلاج مليئة بالعذابات. قصة الحلاج مع الله تروي ملحمة مأساوية، حيث هام حبًا بربه إلى درجة الفناء الكامل، متنقلًا من بلد إلى آخر، محطمًا قيود الذات البشرية ليبحث عن وجه الحبيب الذي يراه في كل شيء، لكنه لا يستطيع الامتلاك سوى عبر الوجد والحزن. وفي مناجاته لله يقول: متى سهرتْ عيني لغيرك أو بكت فلا بلغنْ ما أمَّلَتْ وتمنَّتِ وإن أضمرتْ نفسي سواك فلا رَعَتْ رياض المُنَى من وجنتيك وجُنَّتِ قصة الحلاج ليست مجرد تجربة صوفية بل رواية حب نقي لا يعرف المزاح أو التهاون، وهي تستدر دموع القلوب قبل العيون، لتذكّر الجميع بأن الحب الحقيقي يتجاوز حدود النفس ليصل إلى الفناء في المحبوب الأعظم.
*** الحب الإلهي عند الشعراء الصوفيين***
: لم يخترع الصوفيون مفهوم الحب، بل استمدّوه من آيات القرآن الكريم ومن تعاليم الإسلام. يقول الله تعالى: *فسوف يأتي الله بقومٍ يُحبُّهم ويُحبُّونه* (المائدة 54)، وأيضًا: *قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيم* (آل عمران 31). كما تأثروا بالأحاديث النبوية، ومنها ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب الله فليحبني، ومن أحبني فليحب أصحابي، ومن أحب أصحابي فليحب القرآن، ومن أحب القرآن فليحب المساجد فإنها بيوت أذن الله بذكرها وطهارتها، وبارك فيها فهي ميمونة مبارك أهلها". غير أن طابع الحب الإلهي في البداية كان ينحو نحو النفعية، حيث يحب المؤمن الله طاعةً له وسعيًا للجنة وخوفًا من النار. لكن الصوفيين ارتأوا أن يُجرّدوا هذا الحب من المنفعة الشخصية ليكون خالصًا لوجه الله تعالى، بعيدًا عن رجاء الثواب أو الخوف من العقاب. وقد أتاح هذا السمو الروحي مجالًا واسعًا للإبداع الأدبي، حيث ظهرت العديد من الأبيات والقطع البديعة التي تعبّر عن عمق التجربة الروحية وحقيقة التعلق بالمحبوب الإلهي. ومن المصطلحات التي استخدمها الصوفيون للتعبير عن مظاهر الحب الإلهي: الهوى، الشوق، العشق، الوجد، الفناء والبقاء. وقد وصف ذو النون الحب الإلهي قائلًا: "هو سقوط المحبة عن القلب والجوارح حتى لا يكون فيها شيء إلا بالله ولله". وكان لكل صوفي طريقته في التعبير عن حالته وتجربته في الحب الإلهي. رابعة العدوية وإرساء مفهوم الحب الإلهي: تُعتبر رابعة العدوية (ت 185هـ) أول من نظم شعرًا في الحب الإلهي، وكان لها الفضل في إرساء هذا المفهوم عند من حملوا النهج بعدها. عبرت عن حبها لله بعد تجربة ومعاناة شخصية مباشرة، وأرست فكرة حب الله لذاته دون انتظار مقابل دنيوي أو أخروي، متجاوزة مفهومي الجنة والنار. ومن أبرز أناشيدها الروحية: إني جعلتك في الفؤاد مُحدِّثي وأبحت جسمي لمن أراد جلوسي فالجسم مني للجليس مؤانس وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي كما تقول: كلّهم يعبدون من خوف نار ويرون النّجاة حظاً جزيلا أو بأن يسكنوا الجِنانَ فيحظوا بقُصورٍ ويشربوا سَلسبيلا ليس لي في الجنان حظّ ولا النار أنا لا أبتغي بحبّي بديلا أخذ حب رابعة العدوية للإله شكلًا خاصًا يتجاوز الحدود التقليدية للحب المشروط بالمكافأة أو الخوف. وقد تجلى ذلك في قولها: أحبّك حبَّين حبُّ الهوى وحبًا لأنك أهلٌ لذاكا فأما الذي هو حبُّ الهوى فشغلي بذكرك عمن سواكا وأما الذي أنت أهلٌ له فكشفك للحُجب حتى أراكا فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا سمنون المحب وتجربة الابتلاء: من أبرز شعراء الحب الإلهي أيضًا سمنون المحب (ت 297هـ)، الذي ذاع صيته بسبب الأثر العاطفي العميق لشعره حتى قيل إن الطيور كانت تسقط عن الشجر عند سماعه. كان سمنون يعبر بلسان عاشق متضرع: وليس لي في سِواك حَظُّ فكيفما شئت فامتحني إن كان يرجو سواكَ قلبي لا نِلتُ سُؤلي ولا التمنِّي رأى سمنون العلاقة بين المحبة والابتلاء رابطة ضرورية لتدرج المقامات الروحية وبلوغ الكمال. دعا إلى المزيد من البلاء قائلًا: *ضاعِفْ عليّ بجهدك البلوي*، معتبرًا أن البلاء يقرب الأحباب إلى مراتب الكمال ومن أبياته المؤثرة: بكيتُ ودمع العين للنفس راحة...
تُعتبر الحقيقة المحمدية إحدى القضايا المحورية التي شغلت اهتمامات المتصوفة، حيث عبروا عنها في كتاباتهم النثرية والشعرية. وقد أثارت هذه الفكرة الجدل، لا سيما بعد انفتاح الخطاب الصوفي على الثقافات الأجنبية، مما أدى إلى انتقال المصطلح من الإطار الإسلامي المستند إلى نصوص الشريعة الإسلامية إلى آراء وأفكار استوجبت إعادة النظر. هذا التحول أفضى إلى ظهور نظريات تركت أثرًا كبيرًا على البنية الفكرية والمعرفية في التصوف، وأصبحت أحد الأسس التي تُبنى عليها فلسفات الصوفية المختلفة.
****** الحقيقة المحمدية****
للحقيقة المحمدية تعددٌ في المصطلحات والتسميات التي تدل جميعها على معناها الجوهري. فقد عُرفت بـ "الكلمة المحمدية"، "النور المحمدي"، "نور محمد صلى الله عليه وسلم"، وغير ذلك. وتُعرَّف باعتبارها أكمل تجلٍ مخلوق ظهر فيه الحق، وتمثل الإنسان الكامل بأعمق معانيه. فإن كان كل موجود هو انعكاس خاص لاسم إلهي معين، فمحمد صلى الله عليه وسلم يتفرد بكونه المجلى للاسم الجامع "الله"، مما يمنحه مرتبة الجمعية المطلقة. يُقال إن الحقيقة المحمدية هي أول خلق أوجده الله من حضرة الغيب، إذ إنها حقيقة كونية مؤكَّدة برفع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من خلال اقتران اسمه باسم الله في الشهادتين "لا إله إلا الله محمد رسول الله". يرتبط هذا المفهوم بتجسيد التفرد الإلهي في الألوهية ومحمد صلى الله عليه وسلم في تحقيق العبودية الكاملة. --- #### 2- تجليات الحقيقة المحمدية في الأدب الصوفي: برزت الحقيقة المحمدية في الأدب الصوفي، خاصةً في مجال المدائح النبوية التي ركزت على حب النبي الكريم وإبراز فضائله وسيرته ومعجزاته. تُعد المدائح النبوية لونًا فريدًا من الأدب الديني المتسم بالإخلاص وحرارة العاطفة. وقد تناول الشعراء على مر العصور هذا اللون بإبداع فائق، مما جعل بعضهم يعبر عن ارتباطهم بالرسول صلى الله عليه وسلم كما لو كان حاضرًا بين الأحياء. تميّز تعامل الصوفية مع الحقيقة المحمدية بالتركيز على الجوانب المزدوجة لشخصيته: بوصفه نبيًا مرسلًا ونورًا إلهيًا. من بين أبرز هؤلاء الشعراء ابن عربي الذي جمع في أشعاره بين المفهوم الفلسفي للصوفية وفكرة الحقيقة المحمدية المرتبطة بوحدة الوجود. ففي إحدى قصائده يشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الجوهر الأصيل والقمة المشرقة للخلق. أما ابن الفارض فقد تناول الحقيقة المحمدية بما أطلق عليه الروح المحمدي أو القطب. تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بلسان من بلغ مقام "صحوة الجمع"، مما يعكس مفهوم أزلية الروح المحمدي وتقدمه على باقي الموجودات. ومن أشهر من نظم في المديح النبوي الإمام شرف الدين البوصيري، ولا تزال قصيدته "البردة" من أبرز الأعمال الأدبية التي مجدت النبي صلى الله عليه وسلم. في همزيته، شبه النبي بالمصباح المضيء، مؤكدًا أن الأنبياء والناس لم يصلوا إلى علّو مقامه ورفعة شأنه
أبرز المصطلحات الصوفية: اختص المتصوفة بمصطلحات تُعبِّر عن رؤيتهم الفكرية والروحية، بهدف تسهيل التواصل بينهم وإخفاء معانيها عن غير المنتسبين إليهم حمايةً لأسرارهم. من أهم هذه المصطلحات: - **الإخلاص**: وهو أن يكون العمل خالصًا لله دون انتظار شهود خارجيين. - **الإرادة**: الإقبال التام على تنفيذ أوامر الله دون تردد. - **التجلّي**: ما يظهر للقلب من أنوار أو حقائق ذات أبعاد معنوية وروحية.
******المصطلح الصوفي**********
سبقت الإشارة إلى أن المصطلح الصوفي نشأ في ضوء المحاولات التبيينية الأولى للقرآن الكريم، وخاصة تلك التي جنحت إلى الكشف عن دقائق كلام الله تعالى وحقائقه مما لا يُفْهم من ظاهر عباراته، والتي أصبحت تُعرف فيما بعد بالتفاسير الإشارية، وقد كانت هذه التفاسير اللبنة الأولى التي تأسس عليها هذا المصطلح، إلى أن أخذ يتشكل تدريجيا، وبدأت الأقوال بخصوصه تستقل شيئا فشيئا، ومن أهم الأقوال المؤسِّسَة في هذا الباب، ما قاله ذو النون المصري (ت245هـ) بشأن عدد من المصطلحات الكاشفة عن أحوال الصوفية ومقاماتهم؛ من توبة، وورع، وتقوى، ومحبة، وتوحيد ... الخ، بالإضافة إلى ما قاله الإمام الجنيد (ت 279هـ)، وأقوال أبي محمد سهل بن عبد الله التستري (ت283هـ)، وغيره ممن عاصروه أو جاؤوا بعده. وقد بقيت أقوال هؤلاء بخصوص معاني اصطلاحاتهم متفرقة بين مرويات القوم، إلى أن جاء الشيخ أبو نصر السراج الطوسي في القرن الرابع الهجري (ت378هـ) فجمع أكثر تلك المصطلحات وشرحها في قسم من كتابه "اللمع" معنونا إياها ب "كتاب البيان عن المشكلات.
وبهذا يكون السراج الطوسي أول من تكلم في مصطلحات التصوف، وأول من أخذ بزمام المبادرة في وضع عمل مرجعي للتعرف عليها، وإن حاول أبو سعيد الخراز قبله (ت277 أو279هـ) أن يجمع بعض المصطلحات في كتابه "الحقائق".
ثم بعد ذلك توالت الكتابات في هذا الباب، منها: "التعرف لمذهب أهل التصوف" للكلاباذي (ت380هـ)، و"قوت القلوب" لأبي طالب المكي (ت386هـ)، و"الرسالة القشيرية" لعبد الكريم القشيري (ت465هـ)، و"كشف المحجوب" للهجويري (ت465هـ)، و"إحياء علوم الدين" للغزالي (ت505هـ) بما تضمنه هذا الأخير من شرح مفصل لعدد من المصطلحات خاصة في جزئه الرابع، بالإضافة إلى كتابه "الإملاء في إشكالات الإحياء"؛ الذي يعتبر من أهم الكتب المنجزة في هذا المضمار؛ حيث بلغت مصطلحاته نحو خمسين مصطلحا، ومنها أيضا كتاب "عوارف المعارف" لشهاب الدين أبي حفص السهروردي (ت632هـ) الذي خصص فيه بابين لشرح مصطلحات الصوفية بلغت قرابة الخمسين كذلك.
إن هذه المؤلفات وما يماثلها في منهج بنائها، هي بمثابة الأُسّ الذي انبنى عليه الخطاب الصوفي في عمومه، وقد حوت أغلب مصطلحاته وعرّفت بها، غير أنها ليست معاجم مستقلة بخصوص هذه المصطلحات، وإنما هي متضمنة لأبواب فيها، من خلال ما نقله أصحابها من أقوال القوم حول هذا المصطلح أو ذاك، أو بما أضافوه لها، إلى أن تطور الأمر فيما بعد، وظهرت معاجم خاصة بالمصطلح الصوفي، من قبيل الرسالة التي ألفها الإمام ابن عربي الحاتمي الطائي (ت638هـ) المعروفة باسم "اصطلاحات الصوفية" والتي تعد من بواكير إعداد المعاجم المتخصصة في المصطلح الصوفي، وليس ببعيد أن تكون البادرة الأولى لنشأة المعاجم المستقلة في هذا الباب. بالإضافة إلى مؤلفات كمال الدين عبد الرزاق بن جمال الدين القاشاني (ت730هـ) المعدّة في هذا الباب؛ وهي "لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام"، و"اصطلاحات الصوفية"، و"رشح الزلال في شرح الألفاظ المتداولة بين أرباب الأذواق والأحوال"، ويكاد يكون كتاب "اللطائف" مستوعبا لكل الكتب التي سبقته في هذا الشأن؛ لكونه تضمن على وجه التفصيل ما يزيد على ألف وستمائة مصطلح صوفي.
ومع هذه المؤلفات دخل المصطلح الصوفي مرحلة الاكتمال والاستقرار، وأصبح مكونا أساسيا من مكونات الاصطلاح العلمي العام للحضارة الإسلامية، خاصة مع كتاب "التعريفات" للشريف الجرجاني (ت816هـ) وكتاب"كشاف اصطلاحات الفنون" للشيخ محمد علي التهانوي (ت1158هـ).
2/-مصادره :
بالنسبة لمصادر المصطلحات الصوفية ومرجعياتها الاشتقاقية فهي عديدة تتمثل: في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وعلوم اللغة وعلوم الشريعة وعلم الكلام والفلسفة والآداب والعلوم التجريبية والعلوم الحقة.
- من المصطلحات التي أخذت من القرآن الكريم: الذكر، والسر، والنور، والإشارة، والعبارة، والقلب، واليقين، والتجلي، والإخلاص، والرياء، والتوبة، والسكينة، والخلق، والدعوة، والرضا، والعلم، والله، والحق، والنفس المطمئنة، والاستقامة، والاستمتاع، والاستواء، والاصطناع، والاصطفاء.
- من المصطلحات التي أخذت من الحديث النبوي الشريف: الخضر، والأبدال، والخوف، الجلال، وأهل الذكر، والرداء، والأوتاد، والغوث، والنجباء، والنقباء.
- من المصطلحات التي أخذت من النحو: الغياب، والحضور، والمعرفة، والاسم، والحال، والرسم، والعلة، والصفة، والشاهد، والإشارة، والواحد، والجمع، والوصل والفصل.
- من المصطلحات التي أخذت من علم الكلام: التوحيد، والعقل، والعدل، والعرض، والجوهر، والذات، والصورة، والتنزيه، والقديم، والثبوت، والوجود، والأزل.
- من المصطلحات التي أخذت من المرجعية الفلسفية: العقل والنفس والحس والهيولى والعقل الأول والفيض والنفس الكلية والنظر.
3/خصائصه:
للمصطلحات الصوفية خصائص فنية تفردت بها وتميزت عن جميع المصطلحات الدينية أو العلمية الأخرى ، وفيما يلي نذكر خاصيتين منها :
خاصية المعرفة القلبية :
من خصائص المصطلحات الصوفية أنها تختلف عن غيرها من اصطلاحات العلوم والمعارف الأخرى في كونها ليست ناتجة عن العقل أو الفكر والنظر ، بل هي ثمرة من ثمار التجربة الروحية الباطنة بين العبد وربه ، بمعنى أنها ذوق من الأذواق أو المواجيد الصوفية أو هي نتيجة لكشوفات أو تجليات إلهية على قلوب العارفين.
ويمكن القول أن الاختلاف الرئيس بين مصطلحات وألفاظ الصوفية وبين مصطلحات وألفاظ أصحاب العلوم الأخرى هو في أداة المعرفة أو وسيلة الإدراك وليس في وسيلة التعبير ، فقد يحتاج الصوفي إلى العقل وأساليبه ليعبر عما يجد في ذاته أو عما كوشف به ولكنه قطعاً لم يدرك ذلك الوجد أو الكشف بالعقل وهذا يختلف عن جميع العلوم والمعارف الإنسانية قاطبة والتي تعتمد العقل والفكر والنظر كوسيلة للإدراك والمعرفة.
إن وصول الصوفي إلى فهم الأمور عن طريق الذوق والكشف لا يتأتى إلا لمن يداوم على مخالفة الأهواء وتجنب الآثام والابتعاد عن الشهوات وإخلاص العبادات والسير في طريق الله بالرياضات والمجاهدات والطاعات الشرعية حتى تتكشف له حقائق الأشياء وتتجلى له معانيها فلا ينازعه في فهمها إلا من وصل إلى درجته فذاق ما ذاق أو تجاوزها من أقرانه في الطريق إلى الله ..
ولهذا فالبون شاسع بين اصطلاحات العلوم القائمة على أسس عقلية تفترض أوليات بديهية وتسلسلاً منطقياً يتم على أساسه تحديد الشيء المراد تعريفه ثم اختيار المصطلح المناسب لذلك التعريف وبين اصطلاحات العلوم الصوفية القائمة على أساس ما يفيضه الحق تعالى على قلب الصوفي من مذاقات ومعان وفتوحات نتيجة لاصطفائه أو مجاهداته الشرعية.
فكان من النتائج الحتمية المترتبة على التباين بين الصوفية وغيرهم من حيث وسيلة الإدراك والمعرفة هو أن نجد أن المعنى الاصطلاحي في العلوم القائمة على أساس العقل تتحدد فتصبح وكأنها قاعدة ثابتة بين أفراد المجموعة التي تعارفت على تلك المصطلحات بينما نجد أن المعنى الاصطلاحي متغيراً ومتجدداً عند الصوفية بين جيل وآخر بل وبين صوفية الجيل الواحد وفي أحيان كثيرة نجد أن التغير يحصل عند الصوفي نفسه لأسباب يلي ذكرها . إذاً فمن خصائص المصطلح الصوفي أنه قائم على أساس الكشف لا العقل.
خاصية التكثر في الألفاظ والمعاني :
ومن الخصوصيات الفنية في المصطلحات الصوفية هي خاصية ( التكثر ) وهي أنك تجد للمصطلح الصوفي الواحد عشرات بل مئات التعاريف والمعاني كما في مصطلح
( التصوف ) مثلاً ، وتجد للمعنى الصوفي الواحد عدداً كبيراً من المصطلحات الدالة عليه والمعبرة عنه كما في مصطلح ( الحقيقة المحمدية ) أو ( الإنسان الكامل ) . وفيما يلي نذكر بعض الأسباب التي كانت وراء ظهور هذه الميزة الفريدة في عالم الاصطلاح كله .
1. التدرج في السلوك : يكون عدم تكامل الإحساس بالأمور الروحية سبباً لاختلاف التعاريف للمصطلح الواحد وبالعكس ، فباستمرار الترقي الروحي للصوفي يتغير التعريف للمصطلح .
2. الفناء عن الحس : بعد فناء الصوفي الكلي عن جميع الأحاسيس البشرية وبقائه بربه لا يجد من لغة البشر ما يعبر به عما ينكشف له من حقائق ، وهذا يؤدي إلى استعمال تعابير ومصطلحات متنوعة للتعبير عن الحالة المعاشة فيحصل التكثر. .
3. الذوق الصوفي وتنوعاته : نظرة المتوكل للدنيا غير نظرة الزاهد مثلاً وإن كان كلاهما على صواب إلا أن كلاً منهما يتحدث من خلال تذوقه لحاله ومقامه الخاص ، وهذا يؤدي إلى التكثر .
4. عدم تماثل التجليات :
عدم تماثل التجليات الإلهية على قلوب العارفين في رحلة الترقي تجعل مصطلحاتهم متكثرة وغير هذه الأسباب مما يطول المقام بتفصيلها والتي أدت إلى تكثر المصطلحات بالنسبة إلى المعنى الواحد وبالعكس أي تكثر المعاني للمصطلح الواحد . ومن نتيجة ذلك نصل إلى تقرير نقطة مهمة ومتفردة في هذه الخاصية وهي أن الصوفية يجمعون - أحياناً- على لفظ المصطلح كالتوبة والتوكل والمحبة ، وليس على معناه بخلاف بقية العلوم التي توضع فيها الاصطلاحات عادةً للإجماع على المعنى
خاصية الرمزية في المصطلحات الصوفية :
تعد الرمزية عند الصوفية ، أي اتخاذ الرمز كوسيلة للتعبير ، أحد أهم الخصائص الفنية للغة الصوفية ، والذي يطلع على مصادر التصوف الإسلامي يجد ثروة نظرية كبيرة تناولت هذه الخاصية من المصطلحات الصوفية ، ويمكن تلخيص أهم أسباب ظهور هذه الخاصية بشكل ملفت للنظر في لغة الصوفية بالنقاط التالية :
• الطبيعة الفردية والباطنية ( الجوانية ) للتجربة الصوفية والتي تجعلها عصية التعريف والإيصال ، إذ أن هذه التجربة الباطنة غير العقلية تدفع الصوفي إلى استخدام الرمزية في التعبير ويغلب عليها اعتماد لغة الحب الإلهي التي تثير الخيال والوجدان ويعود استخدام الصوفي للغة الحب إلى أنها أقوى الأساليب اللغوية عن الصلة الفردية والشخصية العميقة ، إضافة إلى إمكانيتها على إثارة الوجدان والخيال ، ولا يجوز للغير تأويل عبارات الحب الصوفي على أساس المدلول المادي الظاهر للألفاظ .
• يعود الدافع الآخر إلى قصور اللغة الوضعية نفسها إذ أنها لغة وضعية اصطلاحية تختص بالتعبير عن الأشياء المحسوسة والمعاني المعقولة في حين أن المعاني الصوفية لا تدخل ضمن نطاق المحسوس ولا المعقول ، يقول ابن خلدون : إن محاولة التعبير عن معاني الكشف الصوفي « متعذرة ، لا ، بل مفقودة ، لأن ألفاظ التخاطب في كل لغة من اللغات إنما وضعت لمعان متعارفة من محسوس ، ومتخيل ، أو معقول تعرفه الكافة ، إذ اللغات تواضع واصطلاح »
وقريب من ذلك ما قرر الإمام الغزالي إذ قصد تبيان عدم استيعاب اللغة الوضعية للمعاني في التجربة الصوفية فقال : « لا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح ، لا يمكنه الاحتراز عنه »..
• ومن أهم الدوافع وراء ظهور الرمزية بشكل كبير في لغة الصوفية هو محاولة الصوفية تجنب اتهامات الخصوم التي تضعهم في تعارض مع العقائد الشرعية ولهذا اصطلحوا على رموز وألفاظ لا يفقه معناها غيرهم « قصدوا بها الكشف عن معانيها لأنفسهم ، وللإجمال والستر على من باينهم في طريقهم «
****** بقية الأعمال كانت تطبيقية***
**********مدخل إلى الأدب الصوفي:
تمهيد:
شهد الأدب الصوفي تطورًا ملفتًا تجلّى في أشكال تعبيرية جديدة جمعت بين العقائد والأديان وأفكار مختلفة انسجمت مع إيقاع الحياة الإنسانية. وقد تمكن هذا النوع من الأدب من صياغة اتجاه فني متفرد أتاح للأدباء والشعراء التعبير عما يفيض في أرواحهم من تجليات إلهية وتصورات عن الوجود باستخدام رموز متنوعة. فجادت أقلامهم بأشعار عذبة وسلسة تعكس تجاربهم الروحية الخالصة، كما اتسم النثر لديهم بالتنوع بين الدعاء، التهجد، الوعظ، والمناجاة. بهذا، أصبح التصوف رسالة روحية تربط بين الخلق والخالق، وأيضًا رسالة جمالية اتسمت بخصائص فنية مميزة في خطاباته.
يعد التصوف أحد المباحث الأساسية التي يتناولها الفكر الإسلامي جنبًا إلى جنب مع علم الكلام والفلسفة والفكر العربي المعاصر. وقد نال اهتمامًا كبيرًا من مختلف الباحثين تبعًا لاتجاهاتهم الفكرية وميولهم المعرفية. ازداد هذا الاهتمام خاصة بعد أن أثار التصوف بين المتصوفة جدلاً واسعًا ومواقف متباينة شديدة التناقض على صعيدي الأفكار والسلوك.
أ-مفهوم التّصوف
: ب-لغة
: تعددت الآراء واختلفت التعريفات حول أصل تسمية التصوف واشتقاقها اللغوي. يرى البعض أن الكلمة مشتقة من "الصوف" الذي يشير إلى الصوف المشهور. في الاشتقاق اللغوي، يُطلق على الكبش "أصوف" أو "صائف"، حيث يتميز بكثرة الصوف، والصوفة تخصّ الشاة. أما صوفة، فهي اسم لرجل من القبائل العربية القديمة (قوم صوفة) الذين خدموا الكعبة في الجاهلية وقاموا بإجازة الحجاج. هناك أربعة تفسيرات رئيسية لأصل كلمة التصوف: 1. النسبة إلى "صوفة"، حيث ارتبط اسمهم بالخدمة والعبادة. 2. النسبة إلى الصوف، باعتباره زيًا بسيطًا اشتهر به بعض الزهاد، رغم أن ارتداءه لم يكن قاعدة شاملة لكل الصوفية. 3. الاشتقاق من الصفاء، للدلالة على نقاء القلوب وصدق النوايا أمام الله، حيث يُكرم المخلصون ويُصطفون. 4. اشتقاق الكلمة من الكلمة اليونانية "سوفيا"، التي تعني الحكمة، ثم خضعت للتعديل على النطق العربي لتصبح "صوفية". اصطلاحًا: التصوف هو تجربة روحية خاصة يعيشها الصوفي، تتميز بسمات فريدة تجعلها مختلفة عن غيرها من الأحاسيس الإنسانية. يسعى التصوف إلى كشف حكمة الله في جوانب الحياة المختلفة ومظاهر رحمته في الكون، وهو تعبير عن تأمل جمال الخلق وشهود جلاله بغية ارتقاء القلب والروح نحو السمو الأعلى. يمكن اختزال مفهوم التصوف في الأحرف الأربعة: - التاء: توبة. - الصاد: صفاء. - الواو: ولاية. - الفاء: فناء
*****************مراحل التصوف************
: يمكن تقسيم رحلة التصوف إلى ثلاث مراحل أساسية:
1. مرحلة الزهد: بدأ التصوف الإسلامي مع الزهاد والأتقياء الذين اعتكفوا في المساجد وتفرغوا لعبادة الله وتنفيذ أوامره وتجنب معاصيه، مقتدين بحياة النبي صلى الله عليه وسلم نموذجًا للزهد والتقوى.
.2 مرحلة التصوف السني: تميزت هذه المرحلة بالالتزام التام بأوامر الله والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، مع ترك مظاهر الدنيا مثل المال والجاه والمباهج المادية، والانصراف نحو مراقبة أفعال القلب وتنقيته للوصول إلى النجاة من عقاب الله. هذه المرحلة تتضمن
مجاهدة التقوى:
ترك الدنيا وتصحيح أفعال القلب. - مجاهدة الاستقامة: مقاومة شهوات النفس بالصيام والقيام. 3. مرحلة التصوف الفلسفي:
ظهرت هذه المرحلة مع اهتمام الصوفية بعلوم المكاشفة، حيث سعوا لمعرفة الله واكتساب حكمته والاطلاع على أسراره الكونية. التصوف في الأدب: عرف الصوفيون باسم الزهاد والنساك واشتهروا بكونهم أهل أدب وبيان. اهتم الجاحظ وغيرُه من الأدباء بتوثيق أقوالهم وتأملاتهم لأنها جمعت بين الأدب العالي والأخلاق الراقية. ظهر هذا جليًا عبر شذرات من أقوالهم التي توزعت بين التعبير الصادق عن الأخلاق والمعاني الأدبية المتميزة. كان الصوفيون أيضًا ملمين بالثقافة الأدبية، حيث اشتهر بعضهم بالحفظ والشعر والتعبير الأمثل عن أفكارهم بأسلوب بلاغي عميق. مفهوم الأدب الصوفي: يمثل الأدب الصوفي أحد ألوان الأدب الرفيع، إذ يحمل أسمى المعاني الروحية والأخلاقية. أنتجه الزهاد والصوفيون بمختلف اتجاهاتهم السنية والفلسفية، وهو يهدف إلى تهذيب النفس والروح من التعلقات الدنيوية وإدخال الطمأنينة فيها. يتناول الأدب الصوفي رحلة السالك نحو كشف أسرار النفس والطريق إلى الله، عاكسًا روحانية عالية تعبر عنها قصائد وأعمال فنية متعددة تحاكي القيم والمعاني النبيلة وتطلعات الروح البشرية نحو السمو والكمال
مراحل التصوف:
عند تتبع مسيرة الأدب الصوفي في تطوره وانتقاله إلى جمهور المتلقين، يتضح أنه مر بمراحل متعددة أثرت في كيفية إنتاجه وتطوره. لم يكن الأدب الصوفي وليد لحظة مكتملة أو ناضجة، بل كان نتاج عملية تطور طويلة ومعقدة، ولم يصل إلى المتلقي بطرق سهلة. كما أنه لم يكن معزولًا عن السياقات التاريخية والاجتماعية التي ساهمت في نشأته. يتفق الباحثون على أن جذور التصوف تعود إلى الزهد الذي تميز به النبي محمد ﷺ وصحابته الكرام والتابعين. وقد كان الزهد ظاهرة طبيعية نتيجة النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي حفّزت المسلمين على التمسك بالآخرة، ترك الانغماس في ملذات الدنيا الفانية، وتزكية النفس بالتوكل على الله، والخشية منه، والرجاء في رحمته وغفرانه.
أولاً: الشعر الصوفي انطلق الإرث الشعري الصوفي منذ القرن الثاني الهجري على يد الحسن البصري ومن جاء بعده من تلامذته. ويمكن تقسيم مراحل الأدب الصوفي إلى ثلاثة أطوار رئيسية:
. الطور الأول: يبدأ مع ظهور الإسلام ويمتد حتى منتصف القرن الثاني الهجري. يتمثل إرث هذه المرحلة في مجموعة من الحكم والمواعظ الدينية والأخلاقية التي ركزت على فضائل كثيرة، مثل التسليم بقضاء الله والتقشف والاجتهاد في العبادة والتقوى، وكانت هذه الفترة مرحلة تشكّل أوليّ للشعر الصوفي. ظهر الشعر خلال هذه الحقبة بشكل موجز ورمزي يعبر عن الزهد والورع. من أبرز شخصيات هذه المرحلة رابعة العدوية (185 هـ). 2
. الطور الثاني: يغطي القرن الثالث والرابع الهجري. شهدت هذه الفترة نهضة وازدهارًا في الشعر الصوفي، حيث تأثرت نتاجاته باندماج الثقافات العربية مع الثقافات الأخرى. بدأ خلالها التوسع في الفكر اللاهوتي وظهور تأثيرات الفلسفة نتيجة تطور علم الكلام. ومن أبرز الشعراء في هذا الطور أبو حمزة الخرساني (ت 290 هـ). كما أنها شهدت بروز شعراء عرب بارزين مثل المتنبي والشريف الرضي.
3. الطور الثالث: يشمل هذا الطور القرون الخامس والسادس والسابع ويستمر حتى منتصف القرن الثامن الهجري. ركّز الأدب الصوفي خلال هذه المرحلة على الحب الإلهي والمدح النبوي والشوق للمقدسات الإسلامية، مع الدعوة إلى الفضائل الإسلامية كجزء من رسالته الروحية. في هذا السياق، نشأ الأدب الفارسي وبرز فيه شعراء كبار مثل جلال الدين الرومي. كما نمت مكانة بعض الشخصيات الصوفية مثل السري السقطي (ت 251 هـ)، الذي كان رمزًا للمتصوفة في بغداد وربط بين التصوف والشريعة بقوله: "من علامات المعرفة بالله القيام بحقوق الله". مع نهاية العصر العباسي الثاني، ترسخت فكرة المعرفة الإلهية وحُب الله في ثقافة التصوف، كما اتضحت منزلة الصوفية كـ"أولياء الله". هذا العصر يُعتبر ذهبيًا للأدب الصوفي من حيث العمق الفلسفي والغني الشعري، حيث بلغ الشعر الصوفي ذروته مع أسماء مثل ابن عربي وابن الفارض في العربية وجلال الدين الرومي في الفارسية. وقد جاء الشعر الصوفي بعد مراحل سبقت انتشاره، مثل شعر الزهد والوعظ الذي برع فيه أبو العتاهية وشعر المديح النبوي. ثانيًا: النثر الصوفي النثر الصوفي كان ولا يزال بابًا واسعًا في الأدب الإسلامي، فهو انعكاس لتجارب وعقول مؤمنة مستغرقة في العبادة والتصوف منذ نشأته وحتى اليوم. خلال الفترة الممتدة من القرن الثاني إلى الرابع عشر الهجري، ترك الصوفيون إرثًا واسعًا من النصوص النثرية التي تجسدت فيها مصطلحات الشطحات الصوفية وأفكارهم العميقة. بدأ النثر الصوفي يكتسب هويته المميزة ويتشكل كسرد يمزج بين الروحانية العالية والتعبير الفني منذ بدايات حركة التصوف الأولى. بهذا يمكن القول بأن الأدب الصوفي، شعراً ونثراً، قد مر بتحولات كبيرة ورسّخ نفسه كرافدٍ مهم للثقافة الإسلامية باختلاف مراحلها الزمنية ومعطياتها الفكرية
*************مصادر ومنابع الأدب الصوفي:
مصادر الأدب الصوفي تشكّل الركائز الأساسية التي ألهبت خيال الشعراء والأدباء، وأسهمت في تطور التجربة الصوفية ونقلها عبر الأجيال. تتنوع هذه المصادر في طبيعتها بين النصوص الدينية والأدب الشعري بمختلف أشكاله، وهي كالتالي: القرآن الكريم والحديث النبوي: يتجذر التصوف في الإسلام، حيث يعتمد على تعاليمه وأسسه، مُستلهِمًا منه مفاهيم الزهد والسعي إلى النجاة في الآخرة. لجأ الصوفيون إلى التأويل لفهم النصوص الدينية بطرق عميقة ومبتكرة. وتبرز أعمال ابن عربي كمثال على هذا النهج، حيث اعتمد على آيات قرآنية لابتكار لغة مزدوجة تجمع بين ظاهر النص وباطنه. فعلى سبيل المثال، عند تفسير قوله تعالى: *"كل شيء هالك إلا وجهه"*، ذهب ابن عربي إلى أن "الوجه" يرمز إلى الذات الإلهية الخالدة، مقارنةً بالعالم المادي الزائل. الشعر الديني: يُعد الشعر الديني الإسلامي أول منابع الأدب الصوفي، وبرز منذ انطلاقة الدعوة الإسلامية. كان لشعراء مثل حسان بن ثابت وكعب بن زهير دور طلائعي في تمجيد قيم الإسلام وبطولات الغزوات ومدح النبي صلى الله عليه وسلم. لاحقًا، تطور هذا النوع إلى الشعر الزهدي الذي تميز برسوخه في الروحانية واهتمامه بفكرتي الموت وترك الدنيا. ارتبط هذا التحول بالحياة الروحية التي شجعت على الزهد والانقطاع للعبادة، مما أدى إلى ظهور قصائد تدعو إلى مقاومة مغريات الدنيا والتوجه الكلي لله. الشعر الغزلي: الغزل بنوعيه العذري والصريح يُعتبر مصدرًا هامًا للأدب الصوفي. فقد استعار الشعر الصوفي عناصر من الغزل العادي ليحوّلها إلى تعبير عن حب إلهي سامٍ. هنا أصبحت المرأة رمزًا للذات الإلهية في أعمال شعراء مثل ابن الفارض وابن عربي، حيث تم المزج بين الحب الإنساني والحب الإلهي باستخدام رموز غزلية تراوحت بين المادي والمعنوي. ويمكن رؤية هذا التوجه في أبيات أبي الحسن النوري التي تُظهر حبًا روحانيًا عميقًا لا يخلو من توظيف رمزي للمرأة كدلالة على المحبة الإلهية. من الجدير بالذكر أن العرب كانوا سابقين تاريخيًا لشعراء الفرس في إدخال الرمزية الغزلية في الأدب الصوفي. ففي أعمال ابن الفارض على سبيل المثال، نجد تمييزًا واضحًا بين الجمال الروحي الأبدي والجمال المادي العابر، مما عكس التصاقه بالمفاهيم الصوفية العميقة.
-الحلول والإتحاد
1- تعريف الحلول والاتحاد
أ- لغويًا:
الحلول في اللغة يشير إلى نزول القوم بمكان أو استقرارهم فيه. يُقال: حَلَّ بالمكان يَحُلُّ حُلولًا، وهو عكس الارتحال. كما أوضح الليث أن الحل والحلول والنزول معانٍ مترادفة. ورد هذا المعنى في بيت الشعر التالي للمثقب العبدي: أَكُلَّ الدهر حل وارتحال أما تبقي علي يقيني؟
ب-اصطلاحًا:
الحلول السرياني يُفهم على أنه اتحاد جسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، على غرار حلول ماء الورد في الورد. يُطلق على الساري "حالًّا" والمسرِي فيه "محلًّا". يستخدم بعض المتصوفة لفظ الحلول للدلالة على الصلة بين الرب والعبد أو اللاهوت والناسوت. وفق تصوراتهم، يعني هذا حلول الإله - تعالى الله - في أجساد فئات خاصة كالأولياء أو الأنبياء، مما يجعلهم يكتسبون بعض صفات الألوهية. أما الاتحاد، فهو رؤية الوجود الحق الواحد الذي بوجوده يكون كل شيء موجودًا، بحيث يفنى العبد في وجود الحق ويتحد معه، ليس بمعنى اندماج الأجساد، بل من حيث الفناء في الحق والغياب عن وجود الذات الفردية. 2- الحلول والاتحاد في الشعر: برز الشعر الصوفي كمسار يعبر عن الإلهي والمقدس دون أن يغرق في الخطابة التقليدية. هذا النوع من الشعر تجاوز مفهوم الدين الحرفي ليجسد دين الحقيقة مقابل دين الشريعة. فكرة الحلول والاتحاد ارتبطت بالأديان السماوية وخاصةً المسيحية، وكان الحلاج من أبرز من عبّر عنها شعريًا بسبب اعتناقه لفكرة وحدة الوجود. من أشعار الحلاج التي تعكس هذا المعنى: كتبت ولم أكتب إليك وإنما كتبت إلى روحي بغير كتاب ويؤكد المعنى ذاته في قوله: مُزِجَتْ روحُك في روحي كما تُمْزَجُ الخمرة بالماء الزلالْ فإذا مسّك شيء مسني فإذا أنت أنا لا نفترق من خلال هذه الأبيات، يظهر أن الحلاج يؤمن بفكرة الوحدة الكاملة بين المحب والمحبوب. يرى الصلة الروحية بينه وبين الله كالاتصال الجوهري بين الخلق وخالقهم. لكن هذه الفكرة المفعمة بالحب المطلق جعلت حياة الحلاج مليئة بالعذابات. قصة الحلاج مع الله تروي ملحمة مأساوية، حيث هام حبًا بربه إلى درجة الفناء الكامل، متنقلًا من بلد إلى آخر، محطمًا قيود الذات البشرية ليبحث عن وجه الحبيب الذي يراه في كل شيء، لكنه لا يستطيع الامتلاك سوى عبر الوجد والحزن. وفي مناجاته لله يقول: متى سهرتْ عيني لغيرك أو بكت فلا بلغنْ ما أمَّلَتْ وتمنَّتِ وإن أضمرتْ نفسي سواك فلا رَعَتْ رياض المُنَى من وجنتيك وجُنَّتِ قصة الحلاج ليست مجرد تجربة صوفية بل رواية حب نقي لا يعرف المزاح أو التهاون، وهي تستدر دموع القلوب قبل العيون، لتذكّر الجميع بأن الحب الحقيقي يتجاوز حدود النفس ليصل إلى الفناء في المحبوب الأعظم.
*** الحب الإلهي عند الشعراء الصوفيين***
: لم يخترع الصوفيون مفهوم الحب، بل استمدّوه من آيات القرآن الكريم ومن تعاليم الإسلام. يقول الله تعالى: *فسوف يأتي الله بقومٍ يُحبُّهم ويُحبُّونه* (المائدة 54)، وأيضًا: *قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيم* (آل عمران 31). كما تأثروا بالأحاديث النبوية، ومنها ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب الله فليحبني، ومن أحبني فليحب أصحابي، ومن أحب أصحابي فليحب القرآن، ومن أحب القرآن فليحب المساجد فإنها بيوت أذن الله بذكرها وطهارتها، وبارك فيها فهي ميمونة مبارك أهلها". غير أن طابع الحب الإلهي في البداية كان ينحو نحو النفعية، حيث يحب المؤمن الله طاعةً له وسعيًا للجنة وخوفًا من النار. لكن الصوفيين ارتأوا أن يُجرّدوا هذا الحب من المنفعة الشخصية ليكون خالصًا لوجه الله تعالى، بعيدًا عن رجاء الثواب أو الخوف من العقاب. وقد أتاح هذا السمو الروحي مجالًا واسعًا للإبداع الأدبي، حيث ظهرت العديد من الأبيات والقطع البديعة التي تعبّر عن عمق التجربة الروحية وحقيقة التعلق بالمحبوب الإلهي. ومن المصطلحات التي استخدمها الصوفيون للتعبير عن مظاهر الحب الإلهي: الهوى، الشوق، العشق، الوجد، الفناء والبقاء. وقد وصف ذو النون الحب الإلهي قائلًا: "هو سقوط المحبة عن القلب والجوارح حتى لا يكون فيها شيء إلا بالله ولله". وكان لكل صوفي طريقته في التعبير عن حالته وتجربته في الحب الإلهي. رابعة العدوية وإرساء مفهوم الحب الإلهي: تُعتبر رابعة العدوية (ت 185هـ) أول من نظم شعرًا في الحب الإلهي، وكان لها الفضل في إرساء هذا المفهوم عند من حملوا النهج بعدها. عبرت عن حبها لله بعد تجربة ومعاناة شخصية مباشرة، وأرست فكرة حب الله لذاته دون انتظار مقابل دنيوي أو أخروي، متجاوزة مفهومي الجنة والنار. ومن أبرز أناشيدها الروحية: إني جعلتك في الفؤاد مُحدِّثي وأبحت جسمي لمن أراد جلوسي فالجسم مني للجليس مؤانس وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي كما تقول: كلّهم يعبدون من خوف نار ويرون النّجاة حظاً جزيلا أو بأن يسكنوا الجِنانَ فيحظوا بقُصورٍ ويشربوا سَلسبيلا ليس لي في الجنان حظّ ولا النار أنا لا أبتغي بحبّي بديلا أخذ حب رابعة العدوية للإله شكلًا خاصًا يتجاوز الحدود التقليدية للحب المشروط بالمكافأة أو الخوف. وقد تجلى ذلك في قولها: أحبّك حبَّين حبُّ الهوى وحبًا لأنك أهلٌ لذاكا فأما الذي هو حبُّ الهوى فشغلي بذكرك عمن سواكا وأما الذي أنت أهلٌ له فكشفك للحُجب حتى أراكا فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا سمنون المحب وتجربة الابتلاء: من أبرز شعراء الحب الإلهي أيضًا سمنون المحب (ت 297هـ)، الذي ذاع صيته بسبب الأثر العاطفي العميق لشعره حتى قيل إن الطيور كانت تسقط عن الشجر عند سماعه. كان سمنون يعبر بلسان عاشق متضرع: وليس لي في سِواك حَظُّ فكيفما شئت فامتحني إن كان يرجو سواكَ قلبي لا نِلتُ سُؤلي ولا التمنِّي رأى سمنون العلاقة بين المحبة والابتلاء رابطة ضرورية لتدرج المقامات الروحية وبلوغ الكمال. دعا إلى المزيد من البلاء قائلًا: *ضاعِفْ عليّ بجهدك البلوي*، معتبرًا أن البلاء يقرب الأحباب إلى مراتب الكمال ومن أبياته المؤثرة: بكيتُ ودمع العين للنفس راحة...
تُعتبر الحقيقة المحمدية إحدى القضايا المحورية التي شغلت اهتمامات المتصوفة، حيث عبروا عنها في كتاباتهم النثرية والشعرية. وقد أثارت هذه الفكرة الجدل، لا سيما بعد انفتاح الخطاب الصوفي على الثقافات الأجنبية، مما أدى إلى انتقال المصطلح من الإطار الإسلامي المستند إلى نصوص الشريعة الإسلامية إلى آراء وأفكار استوجبت إعادة النظر. هذا التحول أفضى إلى ظهور نظريات تركت أثرًا كبيرًا على البنية الفكرية والمعرفية في التصوف، وأصبحت أحد الأسس التي تُبنى عليها فلسفات الصوفية المختلفة.
****** الحقيقة المحمدية****
للحقيقة المحمدية تعددٌ في المصطلحات والتسميات التي تدل جميعها على معناها الجوهري. فقد عُرفت بـ "الكلمة المحمدية"، "النور المحمدي"، "نور محمد صلى الله عليه وسلم"، وغير ذلك. وتُعرَّف باعتبارها أكمل تجلٍ مخلوق ظهر فيه الحق، وتمثل الإنسان الكامل بأعمق معانيه. فإن كان كل موجود هو انعكاس خاص لاسم إلهي معين، فمحمد صلى الله عليه وسلم يتفرد بكونه المجلى للاسم الجامع "الله"، مما يمنحه مرتبة الجمعية المطلقة. يُقال إن الحقيقة المحمدية هي أول خلق أوجده الله من حضرة الغيب، إذ إنها حقيقة كونية مؤكَّدة برفع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من خلال اقتران اسمه باسم الله في الشهادتين "لا إله إلا الله محمد رسول الله". يرتبط هذا المفهوم بتجسيد التفرد الإلهي في الألوهية ومحمد صلى الله عليه وسلم في تحقيق العبودية الكاملة. --- #### 2- تجليات الحقيقة المحمدية في الأدب الصوفي: برزت الحقيقة المحمدية في الأدب الصوفي، خاصةً في مجال المدائح النبوية التي ركزت على حب النبي الكريم وإبراز فضائله وسيرته ومعجزاته. تُعد المدائح النبوية لونًا فريدًا من الأدب الديني المتسم بالإخلاص وحرارة العاطفة. وقد تناول الشعراء على مر العصور هذا اللون بإبداع فائق، مما جعل بعضهم يعبر عن ارتباطهم بالرسول صلى الله عليه وسلم كما لو كان حاضرًا بين الأحياء. تميّز تعامل الصوفية مع الحقيقة المحمدية بالتركيز على الجوانب المزدوجة لشخصيته: بوصفه نبيًا مرسلًا ونورًا إلهيًا. من بين أبرز هؤلاء الشعراء ابن عربي الذي جمع في أشعاره بين المفهوم الفلسفي للصوفية وفكرة الحقيقة المحمدية المرتبطة بوحدة الوجود. ففي إحدى قصائده يشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الجوهر الأصيل والقمة المشرقة للخلق. أما ابن الفارض فقد تناول الحقيقة المحمدية بما أطلق عليه الروح المحمدي أو القطب. تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بلسان من بلغ مقام "صحوة الجمع"، مما يعكس مفهوم أزلية الروح المحمدي وتقدمه على باقي الموجودات. ومن أشهر من نظم في المديح النبوي الإمام شرف الدين البوصيري، ولا تزال قصيدته "البردة" من أبرز الأعمال الأدبية التي مجدت النبي صلى الله عليه وسلم. في همزيته، شبه النبي بالمصباح المضيء، مؤكدًا أن الأنبياء والناس لم يصلوا إلى علّو مقامه ورفعة شأنه
أبرز المصطلحات الصوفية: اختص المتصوفة بمصطلحات تُعبِّر عن رؤيتهم الفكرية والروحية، بهدف تسهيل التواصل بينهم وإخفاء معانيها عن غير المنتسبين إليهم حمايةً لأسرارهم. من أهم هذه المصطلحات: - **الإخلاص**: وهو أن يكون العمل خالصًا لله دون انتظار شهود خارجيين. - **الإرادة**: الإقبال التام على تنفيذ أوامر الله دون تردد. - **التجلّي**: ما يظهر للقلب من أنوار أو حقائق ذات أبعاد معنوية وروحية.
******المصطلح الصوفي**********
سبقت الإشارة إلى أن المصطلح الصوفي نشأ في ضوء المحاولات التبيينية الأولى للقرآن الكريم، وخاصة تلك التي جنحت إلى الكشف عن دقائق كلام الله تعالى وحقائقه مما لا يُفْهم من ظاهر عباراته، والتي أصبحت تُعرف فيما بعد بالتفاسير الإشارية، وقد كانت هذه التفاسير اللبنة الأولى التي تأسس عليها هذا المصطلح، إلى أن أخذ يتشكل تدريجيا، وبدأت الأقوال بخصوصه تستقل شيئا فشيئا، ومن أهم الأقوال المؤسِّسَة في هذا الباب، ما قاله ذو النون المصري (ت245هـ) بشأن عدد من المصطلحات الكاشفة عن أحوال الصوفية ومقاماتهم؛ من توبة، وورع، وتقوى، ومحبة، وتوحيد ... الخ، بالإضافة إلى ما قاله الإمام الجنيد (ت 279هـ)، وأقوال أبي محمد سهل بن عبد الله التستري (ت283هـ)، وغيره ممن عاصروه أو جاؤوا بعده. وقد بقيت أقوال هؤلاء بخصوص معاني اصطلاحاتهم متفرقة بين مرويات القوم، إلى أن جاء الشيخ أبو نصر السراج الطوسي في القرن الرابع الهجري (ت378هـ) فجمع أكثر تلك المصطلحات وشرحها في قسم من كتابه "اللمع" معنونا إياها ب "كتاب البيان عن المشكلات.
وبهذا يكون السراج الطوسي أول من تكلم في مصطلحات التصوف، وأول من أخذ بزمام المبادرة في وضع عمل مرجعي للتعرف عليها، وإن حاول أبو سعيد الخراز قبله (ت277 أو279هـ) أن يجمع بعض المصطلحات في كتابه "الحقائق".
ثم بعد ذلك توالت الكتابات في هذا الباب، منها: "التعرف لمذهب أهل التصوف" للكلاباذي (ت380هـ)، و"قوت القلوب" لأبي طالب المكي (ت386هـ)، و"الرسالة القشيرية" لعبد الكريم القشيري (ت465هـ)، و"كشف المحجوب" للهجويري (ت465هـ)، و"إحياء علوم الدين" للغزالي (ت505هـ) بما تضمنه هذا الأخير من شرح مفصل لعدد من المصطلحات خاصة في جزئه الرابع، بالإضافة إلى كتابه "الإملاء في إشكالات الإحياء"؛ الذي يعتبر من أهم الكتب المنجزة في هذا المضمار؛ حيث بلغت مصطلحاته نحو خمسين مصطلحا، ومنها أيضا كتاب "عوارف المعارف" لشهاب الدين أبي حفص السهروردي (ت632هـ) الذي خصص فيه بابين لشرح مصطلحات الصوفية بلغت قرابة الخمسين كذلك.
إن هذه المؤلفات وما يماثلها في منهج بنائها، هي بمثابة الأُسّ الذي انبنى عليه الخطاب الصوفي في عمومه، وقد حوت أغلب مصطلحاته وعرّفت بها، غير أنها ليست معاجم مستقلة بخصوص هذه المصطلحات، وإنما هي متضمنة لأبواب فيها، من خلال ما نقله أصحابها من أقوال القوم حول هذا المصطلح أو ذاك، أو بما أضافوه لها، إلى أن تطور الأمر فيما بعد، وظهرت معاجم خاصة بالمصطلح الصوفي، من قبيل الرسالة التي ألفها الإمام ابن عربي الحاتمي الطائي (ت638هـ) المعروفة باسم "اصطلاحات الصوفية" والتي تعد من بواكير إعداد المعاجم المتخصصة في المصطلح الصوفي، وليس ببعيد أن تكون البادرة الأولى لنشأة المعاجم المستقلة في هذا الباب. بالإضافة إلى مؤلفات كمال الدين عبد الرزاق بن جمال الدين القاشاني (ت730هـ) المعدّة في هذا الباب؛ وهي "لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام"، و"اصطلاحات الصوفية"، و"رشح الزلال في شرح الألفاظ المتداولة بين أرباب الأذواق والأحوال"، ويكاد يكون كتاب "اللطائف" مستوعبا لكل الكتب التي سبقته في هذا الشأن؛ لكونه تضمن على وجه التفصيل ما يزيد على ألف وستمائة مصطلح صوفي.
ومع هذه المؤلفات دخل المصطلح الصوفي مرحلة الاكتمال والاستقرار، وأصبح مكونا أساسيا من مكونات الاصطلاح العلمي العام للحضارة الإسلامية، خاصة مع كتاب "التعريفات" للشريف الجرجاني (ت816هـ) وكتاب"كشاف اصطلاحات الفنون" للشيخ محمد علي التهانوي (ت1158هـ).
2/-مصادره :
بالنسبة لمصادر المصطلحات الصوفية ومرجعياتها الاشتقاقية فهي عديدة تتمثل: في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وعلوم اللغة وعلوم الشريعة وعلم الكلام والفلسفة والآداب والعلوم التجريبية والعلوم الحقة.
- من المصطلحات التي أخذت من القرآن الكريم: الذكر، والسر، والنور، والإشارة، والعبارة، والقلب، واليقين، والتجلي، والإخلاص، والرياء، والتوبة، والسكينة، والخلق، والدعوة، والرضا، والعلم، والله، والحق، والنفس المطمئنة، والاستقامة، والاستمتاع، والاستواء، والاصطناع، والاصطفاء.
- من المصطلحات التي أخذت من الحديث النبوي الشريف: الخضر، والأبدال، والخوف، الجلال، وأهل الذكر، والرداء، والأوتاد، والغوث، والنجباء، والنقباء.
- من المصطلحات التي أخذت من النحو: الغياب، والحضور، والمعرفة، والاسم، والحال، والرسم، والعلة، والصفة، والشاهد، والإشارة، والواحد، والجمع، والوصل والفصل.
- من المصطلحات التي أخذت من علم الكلام: التوحيد، والعقل، والعدل، والعرض، والجوهر، والذات، والصورة، والتنزيه، والقديم، والثبوت، والوجود، والأزل.
- من المصطلحات التي أخذت من المرجعية الفلسفية: العقل والنفس والحس والهيولى والعقل الأول والفيض والنفس الكلية والنظر.
3/خصائصه:
للمصطلحات الصوفية خصائص فنية تفردت بها وتميزت عن جميع المصطلحات الدينية أو العلمية الأخرى ، وفيما يلي نذكر خاصيتين منها :
خاصية المعرفة القلبية :
من خصائص المصطلحات الصوفية أنها تختلف عن غيرها من اصطلاحات العلوم والمعارف الأخرى في كونها ليست ناتجة عن العقل أو الفكر والنظر ، بل هي ثمرة من ثمار التجربة الروحية الباطنة بين العبد وربه ، بمعنى أنها ذوق من الأذواق أو المواجيد الصوفية أو هي نتيجة لكشوفات أو تجليات إلهية على قلوب العارفين.
ويمكن القول أن الاختلاف الرئيس بين مصطلحات وألفاظ الصوفية وبين مصطلحات وألفاظ أصحاب العلوم الأخرى هو في أداة المعرفة أو وسيلة الإدراك وليس في وسيلة التعبير ، فقد يحتاج الصوفي إلى العقل وأساليبه ليعبر عما يجد في ذاته أو عما كوشف به ولكنه قطعاً لم يدرك ذلك الوجد أو الكشف بالعقل وهذا يختلف عن جميع العلوم والمعارف الإنسانية قاطبة والتي تعتمد العقل والفكر والنظر كوسيلة للإدراك والمعرفة.
إن وصول الصوفي إلى فهم الأمور عن طريق الذوق والكشف لا يتأتى إلا لمن يداوم على مخالفة الأهواء وتجنب الآثام والابتعاد عن الشهوات وإخلاص العبادات والسير في طريق الله بالرياضات والمجاهدات والطاعات الشرعية حتى تتكشف له حقائق الأشياء وتتجلى له معانيها فلا ينازعه في فهمها إلا من وصل إلى درجته فذاق ما ذاق أو تجاوزها من أقرانه في الطريق إلى الله ..
ولهذا فالبون شاسع بين اصطلاحات العلوم القائمة على أسس عقلية تفترض أوليات بديهية وتسلسلاً منطقياً يتم على أساسه تحديد الشيء المراد تعريفه ثم اختيار المصطلح المناسب لذلك التعريف وبين اصطلاحات العلوم الصوفية القائمة على أساس ما يفيضه الحق تعالى على قلب الصوفي من مذاقات ومعان وفتوحات نتيجة لاصطفائه أو مجاهداته الشرعية.
فكان من النتائج الحتمية المترتبة على التباين بين الصوفية وغيرهم من حيث وسيلة الإدراك والمعرفة هو أن نجد أن المعنى الاصطلاحي في العلوم القائمة على أساس العقل تتحدد فتصبح وكأنها قاعدة ثابتة بين أفراد المجموعة التي تعارفت على تلك المصطلحات بينما نجد أن المعنى الاصطلاحي متغيراً ومتجدداً عند الصوفية بين جيل وآخر بل وبين صوفية الجيل الواحد وفي أحيان كثيرة نجد أن التغير يحصل عند الصوفي نفسه لأسباب يلي ذكرها . إذاً فمن خصائص المصطلح الصوفي أنه قائم على أساس الكشف لا العقل.
خاصية التكثر في الألفاظ والمعاني :
ومن الخصوصيات الفنية في المصطلحات الصوفية هي خاصية ( التكثر ) وهي أنك تجد للمصطلح الصوفي الواحد عشرات بل مئات التعاريف والمعاني كما في مصطلح
( التصوف ) مثلاً ، وتجد للمعنى الصوفي الواحد عدداً كبيراً من المصطلحات الدالة عليه والمعبرة عنه كما في مصطلح ( الحقيقة المحمدية ) أو ( الإنسان الكامل ) . وفيما يلي نذكر بعض الأسباب التي كانت وراء ظهور هذه الميزة الفريدة في عالم الاصطلاح كله .
1. التدرج في السلوك : يكون عدم تكامل الإحساس بالأمور الروحية سبباً لاختلاف التعاريف للمصطلح الواحد وبالعكس ، فباستمرار الترقي الروحي للصوفي يتغير التعريف للمصطلح .
2. الفناء عن الحس : بعد فناء الصوفي الكلي عن جميع الأحاسيس البشرية وبقائه بربه لا يجد من لغة البشر ما يعبر به عما ينكشف له من حقائق ، وهذا يؤدي إلى استعمال تعابير ومصطلحات متنوعة للتعبير عن الحالة المعاشة فيحصل التكثر. .
3. الذوق الصوفي وتنوعاته : نظرة المتوكل للدنيا غير نظرة الزاهد مثلاً وإن كان كلاهما على صواب إلا أن كلاً منهما يتحدث من خلال تذوقه لحاله ومقامه الخاص ، وهذا يؤدي إلى التكثر .
4. عدم تماثل التجليات :
عدم تماثل التجليات الإلهية على قلوب العارفين في رحلة الترقي تجعل مصطلحاتهم متكثرة وغير هذه الأسباب مما يطول المقام بتفصيلها والتي أدت إلى تكثر المصطلحات بالنسبة إلى المعنى الواحد وبالعكس أي تكثر المعاني للمصطلح الواحد . ومن نتيجة ذلك نصل إلى تقرير نقطة مهمة ومتفردة في هذه الخاصية وهي أن الصوفية يجمعون - أحياناً- على لفظ المصطلح كالتوبة والتوكل والمحبة ، وليس على معناه بخلاف بقية العلوم التي توضع فيها الاصطلاحات عادةً للإجماع على المعنى
خاصية الرمزية في المصطلحات الصوفية :
تعد الرمزية عند الصوفية ، أي اتخاذ الرمز كوسيلة للتعبير ، أحد أهم الخصائص الفنية للغة الصوفية ، والذي يطلع على مصادر التصوف الإسلامي يجد ثروة نظرية كبيرة تناولت هذه الخاصية من المصطلحات الصوفية ، ويمكن تلخيص أهم أسباب ظهور هذه الخاصية بشكل ملفت للنظر في لغة الصوفية بالنقاط التالية :
• الطبيعة الفردية والباطنية ( الجوانية ) للتجربة الصوفية والتي تجعلها عصية التعريف والإيصال ، إذ أن هذه التجربة الباطنة غير العقلية تدفع الصوفي إلى استخدام الرمزية في التعبير ويغلب عليها اعتماد لغة الحب الإلهي التي تثير الخيال والوجدان ويعود استخدام الصوفي للغة الحب إلى أنها أقوى الأساليب اللغوية عن الصلة الفردية والشخصية العميقة ، إضافة إلى إمكانيتها على إثارة الوجدان والخيال ، ولا يجوز للغير تأويل عبارات الحب الصوفي على أساس المدلول المادي الظاهر للألفاظ .
• يعود الدافع الآخر إلى قصور اللغة الوضعية نفسها إذ أنها لغة وضعية اصطلاحية تختص بالتعبير عن الأشياء المحسوسة والمعاني المعقولة في حين أن المعاني الصوفية لا تدخل ضمن نطاق المحسوس ولا المعقول ، يقول ابن خلدون : إن محاولة التعبير عن معاني الكشف الصوفي « متعذرة ، لا ، بل مفقودة ، لأن ألفاظ التخاطب في كل لغة من اللغات إنما وضعت لمعان متعارفة من محسوس ، ومتخيل ، أو معقول تعرفه الكافة ، إذ اللغات تواضع واصطلاح »
وقريب من ذلك ما قرر الإمام الغزالي إذ قصد تبيان عدم استيعاب اللغة الوضعية للمعاني في التجربة الصوفية فقال : « لا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح ، لا يمكنه الاحتراز عنه »..
• ومن أهم الدوافع وراء ظهور الرمزية بشكل كبير في لغة الصوفية هو محاولة الصوفية تجنب اتهامات الخصوم التي تضعهم في تعارض مع العقائد الشرعية ولهذا اصطلحوا على رموز وألفاظ لا يفقه معناها غيرهم « قصدوا بها الكشف عن معانيها لأنفسهم ، وللإجمال والستر على من باينهم في طريقهم «
****** بقية الأعمال كانت تطبيقية***
1. التصوف أصل التسمية والاصطلاح
تنقسم الشريعة عند المسلمين إلى قسمين: علم الظاهر وهو الفقه وحامله يدعى بالفقيه وعلم الباطن ويعرف بفقه القلوب أو علم الآخرة أو التصوف وممارسه يعرف بالصوفي، وقد ورد في القرآن الكريم حول هذين العلمين قوله تعالى: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لقمان 20 وقوله عز وجل أيضا: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا
النساء : 183.
من المفيد أن نتعقب معنى كلمة تصوف لأنها تحتمل العديد من الفروض لنرى أي الآراء أرجح في تعرف أصلها القديم: أولها أن يكون الصوفي منسوبا إلى صوفة، والثاني أن يكون منسوبا إلى الصوف، والثالث أن يكون مشتقا من الصفاء والرابع أن يكون منسوبا إلى الصفة
والخامس أن يكون منسوبا لكلمة "سوفيا" اليونانية.
1.1. صوفة الذي قيل أن الصوفي نسب إليه، فهو اسم رجل كان انفرد بخدمة الله سبحانه
وتعالى، عند بيته الحرام (2) واسمه أبو يحي من مضر، وهو الغوث بن مرة بن أد بن طابخة بن
إلياس بن مضر، كانوا يقومون على خدمة الكعبة في الجاهلية ويجيزون الحاج، أي يفيضون
بهم، ويقال في الحج أجيزي صوفة، فإذا أجازت قيل: أجيزي خِنْدِف، فإذا أجازت أذن للناس
كلهم في الإجازة، وهي الإفاضة...
وقيل عند بعضهم صوفة قبيلة اجتمعت من أفناء قبائل. إن احتمال أخذ التسمية من هذا القبيل ضعيف ومردود. فصوفة خدموا الكعبة في الجاهلية ولم يكونوا مشهورين ومعروفين، وإلا كان الأحرى أن ينتسب إليهم زهاد عهد النبوة ومنهم هل الصفة. يضاف إلى ذلك أنه من غير المنطقي أن يعود الصوفيون باشتقاق تسميتهم إلى قبيلة جاهلية كانت تخدم الكعبة يوم كانت فيها الأوثان لذا من الأفضل أن نسقط احتمال أخذ التسمية من هذا المصدر
من حسابنا (1).
2.1. الصوف الفرض الثاني أن يكون الصوفي منسوبا إلى الصوف، حيث يميل غير واحد إلى إرجاع التسمية إلى المظهر يقول في ذلك زكي مبارك: وقد تعقبنا هذا الفرض فرأيناه أصح الفروض، وإن استضعفه الألوسي، ولتأييد هذا الفرض شواهد كثيرة جدا قيدناها في مطالعتنا، وسنكتفي بالمهم ... فقد حدث اليافعي أن لباس الصوف كان غالبا على المتقدمين من سلف الصوفية، لأنه أقرب إلى الخمول والتواضع والزهد، ولكونه لباس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد جاء أن رسول الله ﷺ كان يركب الحمار ويلبس الصوف، وعنه أنه قال مرّ بالصخرة من الروحاء سبعون نبيا حفاة عليهم العباء يؤمون البيت الحرام وعنه أنه قال يوم كلم الله تعالى موسى عليه السلام كان عليه جبة من صوف، وسراويل من صوف. وقيل إن عيسى عليه السلام كان يلبس الصوف والشعر ويأكل من الشجر، ويبيت حيث أمسى. وقال ومع أن الحسن البصري رضي الله عنه لقد أدركت سبعين بدريا، كان لباسهم الصوف ...)) (2) . الاشتقاق من صوف (صوفي) سليم لغويا إلا أن ارتداء الصوف ليس قاعدة عند كل الصوفيين حيث نرى بعضهم كان يعد ذلك ادعاء مستندا على المظهر والأولى بالصوفي صقل الباطن وإهمال الظاهر فهذا بشر بن الحارث الحافي يهاجم من يلبس الصوف ويقلع عن ارتدائه ويرغب...
1 نشأة الادب الصوفي
2 قضايا ومصادر الأدب الصوفي وقضاياه
03 وحدة الوجود
4الحلول والاتحاد
05 العشق الإلهي
6 الحقيقة المحمدية
7جماليات الأدب الصوفي
08اللغة الصوفية
09 الرمز الصوفي
10 المصطلح الصوفي
11 النثر الصوفي (تجربة البسطامي)
12 اعلام الأدب الصوفي ابن الفارض / الحلاج ابن عربي الأمير عبد القادر
عنوان الليسانس أدب عربي
السداسي الخامس
الأستاذ المسؤول على المادة: الواسع محمد اليمين
المادة الأدب الصوفي أعمال موجهة)
أهداف التعليم:
المعارف المسبقة المطلوبة:
محتوى المادة
السداسي الأول: وحدة التعليم
الاستكشافية
رقم
01 مدخل إلى الأدب الصوفي
02 نشأة الأدب الصوفي
|
مادة الأدب الصوفي
المعامل: 01
الرصيد : 01
مفردات الأعمال الموجهة
03 قضايا ومصادر الأدب الصوفي وقضاياه
04 وحدة الوجود
05 الحلول والاتحاد 06 العشق الإلهي
07 الحقيقة المحمدية
08 جماليات الأدب الصوفي
09 اللغة الصوفية
10 الرمز الصوفي
11 المصطلح الصوفي
12 النثر الصوفي (تجربة البسطامي)
13 اعلام الأدب الصوفي ابن الفارض / الحلاج ابن عربي الأمير عبد القادر / سيدي بومدين 14 الأثر الصوفي في الأدب الحديث والمعاصر
طريقة التقييم: يكون تقييم الأعمال الموجهة متواصلا طوال السداسي.
المراجع: (كتب، ومطبوعات، مواقع انترنت الخ)
1 الصوف في الشعر العربي نشأته وتطوره، عبد الحكيم حسان
في التصوف الإسلامي وتاريخه، نيكلسون، تر أبو العلاء عفيفي 2
3 الأدب في التراث الصوفي، محمد عبد المنعم خفاجي
4 الأدب الصوفي اتجاهاته وخصائصه، صابر عبد الدايم
الأثر الصوفي في الشعر العربي المعاصر، محمد بن عمارة
المؤسسة المركز الجامعي - بريكة
رواية ع ربية